التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْاْ بِٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ وَتَنَاجَوْاْ بِٱلْبِرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
٩
إِنَّمَا ٱلنَّجْوَىٰ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ
١٠
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلْمَجَالِسِ فَٱفْسَحُواْ يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَانشُزُواْ يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
١١
-المجادلة

تفسير الأعقم

{ يا أيها الذين آمنوا } إذا ناجيتم الرسول خاطبتم، والخطاب للمنافقين الذين آمنوا بألسنتهم، ويجوز أن يكون للمؤمنين، أي إذا ناجيتم فلا تشبّهوا بأولئك في تناجيهم بالشر { وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله }، وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "إذا كنتم ثلاثة فلا يناج اثنان دون صاحبهما فإن ذلك يحزنه" وروي: "دون الثالث" يعني فلا تتناجوا بما يوجب العذاب وتناجوا بالبر والتقوى اتقاء معاصي الله { واتقوا الله } أي أطيعوه واتقوا عذابه { الذي إليه تحشرون } أي تجمعون إلى موضع الحساب الذي يحكم بينكم فيه { إنما النجوى } اللام إشارة إلى النجوى { بالاثم والعدوان } بدليل قوله تعالى: { ليحزن الذين آمنوا } والمعنى أن الشيطان يزينها لهم فكأنه منه ليغيظ الذين آمنوا ويحزنهم { وليس } الشيطان أو الحزن { بضارهم شيئاً إلا بإذن الله } قال جار الله: فإن قلتَ: كيف يضرهم الشيطان أو الحزن إلا بإذن الله؟ قلتُ: كانوا يوهمون المؤمنين في تغامزهم ونجواهم ان غزاتهم غلبوا وإمارتهم قتلوا، فقال: لا يضرهم الشيطان أو الحزن بذلك الوهم إلا بإذن الله بمشيئته، وهو أن يقضي الموت على أقاربهم أو الغلبة على الغزاة { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } يعني المؤمن لا يبالي بمناجاته فليتوكل على ربه فيكفيه { يأيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجلس } الآية نزلت في قوم كانوا يتنافسون في مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإذا رأوا من جاءهم ضيقوا مجلسهم وأبوا أن يفسح بعضهم لبعض، وقيل: كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الصفة يوم الجمعة وفي المكان ضيق، فجاء أناس من أهل بدر فيهم ثابت بن قيس، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يكرم أهل بدر وسلموا وقاموا ينظرون أين يوسع لهم، فلم يفعلوا، فأقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأقعدهم فكرهوا ذلك وشقّ عليهم، وقال المنافقون: ما عول على هؤلاء حيث أقامهم فنزلت، وقيل: نزلت في مجلس الحرب وكانوا يشاحون على الصف الأول حرصاً على الجهاد، والمراد تفسحوا في المجلس توسعوا فيه وتنفسحن بعضكم عن بعض، من قولهم: افسح عني أي تنح، والمراد مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكانوا يتصافون فيه حرصاً على القرب منه وحرصاً على استماع كلامه، وقيل: هو المجلس من مجالس القتال وكان الرجل يأتي الصف فيقول: افسحوا، فيأبوا لحرصهم على الشهادة، وقرئ المجالس بفتح اللام وهو الجلوس أي توسعون في جلوسكم ولا تضايقوا فيه { يفسح الله لكم } مطلق في كل ما يبتغي الناس الفسحة فيه من المكان والرزق والصدر والقبر وغير ذلك { وإذا قيل انشزوا } انهضوا للتوسعة على المقبلين، معناه إذا قيل لكم ارفعوا وتحركوا أو فرقوا ووسعوا على إخوانكم، وقيل: إذا قيل ارتفعوا فافعلوا، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يرفع أهل العلم في مجلسه، وقيل: إذا قيل: انهضوا إلى الصلاة وعمل الخير والجهاد { فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا } بطاعته لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) { والذين أوتوا العلم درجات } قيل: هو رفعة المجلس والترتيب فيه، وقيل: المراد درجات الثواب في الجنة، وعن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) أنه كان إذا قرأها قال: يا أيها الناس افهموا هذه الآية ولترغبنكم في العلم، وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "بين العالم والعابد مائة درجة بين كل درجتين حصر الجواد المضمر سبعين سنة" ، وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): "فضل العالم على العابد فضل القمر ليلة البدر على الكواكب" وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): "يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء" ، وعن ابن عباس: خيّر سليمان بين العلم والمال فاختار العلم وأعطي المال والملك معه، وعنه (عليه السلام): "أوحى الله إلى إبراهيم (عليه السلام) اني عليم أحب كل عليم" ، وعن بعض الحكماء: ليت شعري أي شيء أدرك من فاته العلم، وأي شيء فات من أدرك العلم.