التفاسير

< >
عرض

وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ
١٤٣
قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ
١٤٤
وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَاسِقِينَ
١٤٥
سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ
١٤٦
وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٤٧
-الأعراف

تفسير الأعقم

{ ولما جاء موسى لميقاتنا } يعني الموضع الذي وقّتنا له { وكلمه ربه } من غير واسطة كما يكلم الملك وتكلمه أن يخلق الكلام منطوقاً به في بعض الاجرام كما خلقه مخطوطاً في اللوح، وروي أن موسى (عليه السلام) كان يسمع ذلك الكلام من كل جهة، وعن ابن عباس: كلمه أربعين يوماً أو أربعين ليلة وكتب له الألواح، وقيل: إنما كله في أول الاربعين { قال رب أرني أنظر اليك } يعني اجعلني متمكناً من رؤيتك، فإن قيل: كيف طلب موسى (عليه السلام) ذلك وهو من أعلم الناس بالله تعالى وصفاته وما يجوز عليه وما لا يجوز؟ فقد قيل: أن قومه طلبوا ذلك، وقيل: إنهم حين طلبوا الرؤية أنكر عليهم فقالوا: لا بد ولن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأراد أن يسمعوا النص من الله تعالى وهو قوله: { لن تراني } ليتيقنوا وينزاح عنهم ما داخلهم من الشبهة، فلذلك { قال رب أرني أنظر إليك } { فإن استقر مكانه فسوف تراني } تعليق لوجود الرؤية بوجود ما لا يكون من استقرار الجبل مكانه حين تركه دكا { فلما تجلى ربه للجبل } ظهر أمره وقدرته { جعله دكاً } قيل: تراباً، وقيل: مستوياً من الأرض، وقيل: ساح في الأرض، وقيل: تقطع أربع قطع قطعة ذهبت نحو المشرق وقطعة نحو المغرب وقطعة سقطت في البحر وقطعة طارت رملاً { وخرَّ موسى } أي سقط { صعِقاً } مغشياً عليه استعظاماً لما رأى من الآيات الباهرة، وقيل: مبالغة في الزجر واستعظاماً لما سألوا موسى، وروي أن الملائكة مرت عليه وهو مغشي عليه فجعلوا يلكزونه بأرجلهم ويقولون يابن النساء الحيض أطمعت في رؤية رب العزة قاله جار الله، قوله تعالى: { وكتبنا له في الألواح } قيل: كان كنقش الخاتم عن وهب، وقيل: كتبنا أي فرضنا فيه الفرائض، وروي أن الألواح صحائف فيها التوراة، قيل: كانت عشرة ألواح، وقيل: سبعة، وقيل: لوحين، وقيل: كانت من زمرد جاء بها جبريل، وقيل: من زبرجدة خضراء وياقوتة حمراء، وقيل: أمر الله تعالى موسى يقطعها من صخرة، وقيل: كانت من خشب نزلت من السماء طولها كان عشرة أذرع { وتفصيلاً لكل شيء } وقيل: يريد التوراة، وقيل: من كل شيء كان بني اسرائيل محتاجون اليه في دينهم من المواعظ وتفصيل الأحكام، وقيل: أنزلت التوراة وهي وقر سبعين بعيراً، يُقرأ الجزء منها سنة، لم يقرأها إلا أربعة نفر: موسى ويوشع وعزير وعيسى، قيل: كتب في الألواح أني أنا الله لا إله إلا أنا الرحمن الرحيم لا تشركوا بي شيئاً، ولا تقطعوا السبيل، ولا تحلفوا باسمي كاذباً، ولا تقتلوا ولا تزنوا ولا تعقوا الوالدين { فخذها بقوة }، قيل: بجدّ واجتهاد تبليغاً وعلماً وعملاً { وأمر قومك يأخذوا بأحسنها } أي يحملوا على أنفسهم بالأخذ بما هو أدخل في الحُسن وأكثر للثواب كقوله: اتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم، وقيل: يأخذوا بما هو واجبٌ أو ندبٌ لأنه أحسن من المباح، وقيل: بالناسخ دون المنسوخ، وقيل: تأخذوا بحسنها وكلها حسن { سأوريكم دار الفاسقين } يريد دار فرعون وقومه وهو بمصر كيف دمروا لفسقهم، وقيل: منازل عاد وثمود والقرون التي أهلكهم الله بفسقهم، وقيل: أراد بدار الفاسقين نار جهنم { سأصرف عن آياتي } بالطبع على قلوب المتكبرين وخذلانهم ولا يتفكرون فيها، وقيل: سأصرف عن إبطالها وإن اجتهدوا كما اجتهد فرعون أن يبطل آية موسى بأن جمع لها السحرة { وأن يروا كل آية لا يؤمنوا بها } يعني هؤلاء المتكبرين { وإن يروا سبيل الرشد } طريق الهدى والرشاد { لا يتخذوه سبيلاً وإن يروا كل سبيل الغي } يعني الضلال والهلاك { ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا } بحجتنا { وكانوا عنها غافلين }.