التفاسير

< >
عرض

وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلْغَضَبُ أَخَذَ ٱلأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ
١٥٤
وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآ إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهْدِي مَن تَشَآءُ أَنتَ وَلِيُّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْغَافِرِينَ
١٥٥
وَٱكْتُبْ لَنَا فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِيۤ أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَـاةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ
١٥٦
ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلأَغْلاَلَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
١٥٧
قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِيِّ ٱلأُمِّيِّ ٱلَّذِي يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
١٥٨
-الأعراف

تفسير الأعقم

{ ولما سكت عن موسى الغضب }، قيل: زال غضبه لتوبتهم { أخذ الألواح } التي كان فيها التوراة { وفي نسختها } يعني ما نسخ وكتب فيها عن أبي مسلم، وقيل: في نسختها التي نسخ منها بنو إسرائيل { هدى ورحمة } قال ابن عباس: هدى من الضلالة ورحمة من العذاب { للذين هم لربهم يرهبون } أي يخشون فيعلمون بها { واختار موسى قومه سبعين رجلاً }، قيل: اختار من اثني عشر سبطاً من كل سبط ستة حتى كانوا اثنين وسبعين فقعد كالب ويوشع، وروي أنه لم يصب الاَّ ستين شيخاً، فأوحى الله إليه أن يختار من الشباب عشرة فاختارهم، فأصبحوا شيوخاً فأمرهم موسى أن يصوموا ويتطهروا ويطهروا ثيابهم حتى خرج بهم موسى إلى طور سيناء لميقات ربه وكان أمره ربه أن يأتيه في سبعين رجلاً من بني إسرائيل فلما دنا موسى من الجبل وقعوا سُجّداً لله تعالى فسمعوه وهو يكلم موسى يأمره وينهاه افعل ولا تفعل فأقبلوا اليه فطلبوا الرؤية فوعظهم وزجرهم وأنكر عليهم فقالوا: { { يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة } [البقرة: 55] ثم { { قال رب أرني أنظر إليك } [الأعراف: 143] يريد أن يسمعوا الرد والإِنكار من جهته فأجيب بلن تراني، ثم رجف بهم الجبل فصعقوا، وقيل: ماتوا فعند ذلك { قال } موسى { رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي } من قبل الميقات، وقيل: أن يرى ما يُرى من تبعه طلب الرؤية، قوله تعالى: { أتهلكنا } يعني جميعاً نفسه وإياهم إنما طلب الرؤية زجراً للسفهاء { إن هي إلا فتنتك } يعني محبتك وابتلاؤك حين كلمتني وسمعوا كلامك فاستدلوا به على الرؤية حتى افتتنوا فضلّوا { تضل بها من تشاء } يعني تعاقب من تشاء وهم أهل المعصية، وقيل: تضل من تشاء بالترك { وتهدي من تشاء } بألطافك { أنت ولينا } ناصرنا وحافظنا { فاغفر لنا } الآية { واكتب لنا } يعني واثبت لنا { في هذه الدنيا حسنةً } يعني عافية وحياة طيبة وتوفيقاً في الطاعة { وفي الآخرة } الجنة { إنَّا هدنا إليك } أي تبنا إليك { قال عذابي أصيب به من أشاء } وهو من استحق العقوبة وقرأ الحسن من أساء الاساءة { ورحمتي وسعت كل شيء } أي نعمتي عمَّت كل شيء قيل: تعمّ البر والفاجر في الدنيا والآخرة للبرّ خاصة { فسأكتبها } أي أوجبها يعني الرحمة { للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون } قالت اليهود والنصارى: نحن نتقي ونؤتي الزكاة ونؤمن بآيات ربنا فنزعها منهم وجعلها لهذه الأمة، فقال: { الذين يتبعون الرسول النبي الأمي } نزلت في المؤمنين لما نزلت الآية المتقدمة قالت اليهود والنصارى: هذه صفتنا، وقيل: هو من آمن من اليهود مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واختلف العلماء في معنى الأمي فقال ابن عباس: هو نبيكم كان أميّاً لا يقرأ ولم يكتب، قال الله تعالى: { { وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك } [العنكبوت: 48]، وقيل: منسوب إلى أم القرى أي مكة { الذي يجدونه } أي صفته ونبوته ونعته { مكتوباً عندهم في التوراة والانجيل } وعن عمر بن الخطاب: سألت ابن مالك عن صفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان من علماء اليهود فقال: صفته التي لم تبدل ولم تحول أحمد من ولد اسماعيل بن ابراهيم، وهو آخر الأنبياء، وهو النبي العربي الذي يأتي بدين إبراهيم الحنيف، في عينيه حمرة، وبين كتفيه خاتم النبوة، ليس بالقصير ولا بالطويل، يلبس الشملة، ويمشي في الأسواق، ومعه صلاة لو كانت في قوم نوح ما أهلكوا بالطوفان، ولو كانت في عاد ما أهلكوا بالريح، ولو كانت في ثمود ما أهلكوا بالصيحة، مولده بمكة ومنشأه ونبوته ودار هجرته بيثرب وهو أُمِّي لا يكتب بيده، سلطانه بالشام، صاحبه من الملائكة جبريل، وعن كعب في صفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): مولده بمكة وهجرته بيثرب وملكه بالشام وأمته الحامدون يحمدون الله على كل حال يصلون الصلاة حيث أدركتهم، روي ذلك في الثعلبي { يأمرهم بالمعروف } بالشريعة والسنة { وينهاهم عن المنكر } قيل: هو الكفر والمعاصي { ويحل لهم الطيبات } هو ما حرم عليهم من الأشياء الطيبة من الشحوم وغيرها، وما طاب في الشريعة، والحكم مما ذكر اسم الله عليه عند الذبح { ويحرم عليها الخبائث } كل ما يستخبث نحو الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به، وما خبث في الحكم كالربا والرشوة وغيرها من الخبيثة { ويضع عنهم إصرهم } الإصر الثقل الذي يأصر صاحبه، وقيل: هو العهد بأن يعملوا في التوراة، وقيل: التشديد الذي كان عليهم في الدين ونحو ذلك من الأفعال الشديدة كقتل النفس وتحريم السيب وتحريم العروق { والأغلال التي كانت عليهم } في شريعتهم الشاقة نحو قطع الأعضاء الخاطئة، وقرض موضع النجاسة من الجلد، والقضاء بالقصاص عمداً كان أو خطأ من شرع الدية { فالذين آمنوا به } يعني الذين آمنوا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما جاء به كعبد الله بن سلام وغيرهم من أهل الكتاب { وعزروه } أي عانوه ووقروه { ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه } يعني القرآن { قل يأيها الناس إني رسول الله اليكم جميعاً }، قيل: بعث كل رسول إلى قومه خاصة وبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى كافة الجن والإِنس { النبي الأُمِّي }، قيل: الذي لا يكتب ولا يقرأ، وقيل: منسوب إلى أم القرى، وهي مكة كأنه قيل: النبي المكِّي { الذي يؤمن بالله وكلماته } آياته { واتبعوه لعلكم تهتدون }.