التفاسير

< >
عرض

يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ ٱلأَدْبَارَ
١٥
وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ
١٦
فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ وَلِيُبْلِيَ ٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاۤءً حَسَناً إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
١٧
ذٰلِكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ ٱلْكَافِرِينَ
١٨
إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ
١٩
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ
٢٠
وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ
٢١
-الأنفال

تفسير الأعقم

{ يأيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا } الآية نزلت يوم بدر، وقيل: خطاب لجميع المؤمنين، وقوله: { زحفاً }، قيل: مجتمعين متراجعين بعضكم إلى بعض، والزحف التداني والتقارب { فلا تولوهم الأدبار } أي لا تولوهم ظهوركم هرباً منهزمين { ومن يولهم يومئذ دبره } أي ظهره { إلا متحرفاً لقتال }: يعني يعدل من جهة إلى جهة وهو ثابت على القتال { أو متحيزاً إلى فئة }، قيل: مائلاً إلى جماعة، وقيل: الفئة الجماعة المنتصبة للقتال، وقيل: الإِمام وجماعة المسلمين، وعن ابن عباس: الفرار من الزحف من أكبر الكبائر { فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم } لأنه الذي أنزل الملائكة وألقى الرعب في قلوبهم وذلك أنهم لما كَسَروا أعداء مكة وأسروا وقَتَلوا اقبلوا على التفاخر فكان القائل منهم يقول: قتلتُ وأسرتُ، فنزلت: { فلم تقتلوهم } { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى } "وذلك لما طلعت قريش قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): هذه قريش قد جاءت بخيلها وفخرها يكذبون رسولك اللهم إني أسألك ما وعدتني } فأتاه جبريل وقال: خذ قبضة من تراب فارمهم بها، فقال لما التقى الجمعان قال لعلي (عليه السلام): اعطني قبضة من حَصَى الوادي فرماهم بها في وجوههم، وقال: شاهت الوجوه فلم يبق مشرك إلا اشتغل بعينيه، فانهزموا وردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم" ، وروي في تفسير الثعلبي عن قتادة: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أخذ يوم بدر ثلاث حصيات فرمى بحصاة في ميمنة القوم، وحصاة في ميسرتهم، وحصاة في قلبهم، وروي فيه أيضاً: أن هذه الآية نزلت في قتل أبي بن خلف الجمحي يوم أحد، حين قام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بحربة في يده فرمى بها أبي بن خلف فكسرت ضلعاً من أضلاعه، فانطلق به أصحابه ينعشونه حتى مات في الطريق فدفنوه فأنزل الله تعالى: { وليبلي المؤمنين منه بلاءً حسناً } أي لينعم عليهم نعمةً عظيمة بالنصر والفتح والغنيمة، وقيل: ليختبرهم بذلك أي يعاملهم معاملة المختبر ليظهر المعلوم منهم { ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين } أي مضعف { إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح } الآية نزلت في المشركين وذلك أنهم حين أرادوا أن ينفروا تعلقوا بأستار الكعبة وقالوا: اللهم انصر أقرانا للضيف، وأوصلنا للرحم، إن كان محمد على حق فانصره، وإن كنَّا على حق فانصرنا، وقيل: إن تستفتحوا خطاب للمؤمنين { وإن تنتهوا } خطاب للمشركين، يعني وان تنتهوا عن عداوة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) { فهو خير لكم } وأسلمْ روي في الثعلبي عن عكرمة قال المشركون: اللهم ما نعرف ما جاء به محمد فافتح بيننا وبينه بالحق، فأنزل الله هذه الآية { إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح }، يعني ان تستقضوا فقد جاءكم القضاء { وان تعودوا } للمحاربة له { نعد } لنصرته { يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون } يعني لا تعرضوا عن القرآن وأنتم تسمعون مواعظه وأوامره ونواهيه، وقيل: وأنتم تسمعون دعاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمره ونهيه { ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون }، الآية نزلت في المنافقين، وقيل: في أهل الكتاب قالوا: سمعنا سماع عالم به قائل له وليسوا كذلك، وقيل: لم ينتفعوا بسماعه أي لم يتعظوا فكأنهم لم يسمعوا في الحقيقة.