التفاسير

< >
عرض

وَٱلسَّابِقُونَ ٱلأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنْصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
١٠٠
وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ مُنَٰفِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ
١٠١
وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١٠٢
خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَٰوتَك سَكَنٌ لَّهُمْ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
١٠٣
أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ ٱلصَّدَقَاتِ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ
١٠٤
وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
١٠٥
وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ ٱللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
١٠٦
-التوبة

تفسير الأعقم

{ والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار } الآية نزلت فيمن بايع بيعة الرضوان وهي بيعة الحديبية، وقيل: نزلت في الذين صلوا إلى القبلتين، وقيل: هم الذين شهدوا بدراً، وقيل: نزلت في الذين أسلموا قبل الهجرة، قوله تعالى: { وممن حولكم من الأعراب منافقون } يعني حول بلدكم وهي المدينة منافقون، الآية نزلت في جهينة وأسلم وأشجع وعفار وكانت منازلهم حول المدينة وفيهم منافقون { ومن أهل المدينة } قوم { مردوا على النفاق } أصرّوا عليه واعتادوه { لا تعلمهم نحن نعلمهم } أي لا يعلمهم الا الله جل وعلا ولا يطلع على سرهم إلا الله تعالى لأنهم يبطنون الكفر ويظهرون الايمان { سنعذبهم مرتين }، قيل: هما القتل وعذاب القبر، وعن ابن عباس: اختلفوا في المرتين فقال: "قام فينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خطيباً يوم الجمعة فقال: أخرج يا فلان فإنك منافق، أخرج يا فلان إنك منافق فاخرج أناس فضحهم هذا العذاب الأول والثاني عذاب القبر" { ثم يردون إلى عذاب عظيم } أي عذاب النار { وآخرون اعترفوا بذنوبهم } الآية نزلت في الذين تخلفوا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في غزوة تبوك ثم ندموا، قيل: "كانوا عشرة منهم أبو لبابة، وقيل: كانوا ثمانية يعني لم يعتذروا عن تخلفهم بالمعاذير الكاذبة كغيرهم، ولكن اعترفوا على أنفسهم بأنهم بئس ما فعلوا نادمين، وذلك أنه بلغهم ما نزل في المتخلفين فأيقنوا بالهلاك فأوثقوا أنفسهم على سواري المسجد، فقدم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فدخل المسجد وصلى ركعتين وكانت عادته كلما قدم من سفر فرآهم موثقين فسأل عنهم، فذكر له أنهم أقسموا لا يحلوا أنفسهم حتى يكون رسول الله هو الذي يحل لهم، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): وأنا أقسم لا أحلّهم حتى أؤمر فيهم فنزلت الآية فأطلقهم وعذرهم، فقالوا: يا رسول الله هذه أموالنا الذي خلفتنا عنك فتصدق بها وطهرنا، فقال: ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئاً" { خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً } تخلفاً عنه، وقيل: السيء تخلفهم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وترك الجهاد { عسى الله أن يتوب عليهم } عسى من الله واجبة عن الحسن وأبي علي { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها }، قيل: هي الزكاة المفروضة قوله تعالى: { وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم } أي ادع لهم واستغفر لهم، قال في الغرائب: صلّ عليهم وإذا ماتوا خلاف ما نهيت عن الصلاة عليه، بقوله: { { ولا تصل على أحد منهم مات أبداً } [التوبة: 84] { ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات } مجاز عن قبولها { وإن الله هو التواب الرحيم } ولما بين تعالى قبول توبتهم حذرهم في مستقبل أوقاتهم فقال تعالى: { وقل اعملوا فسيرى الله عملكم } وعيد لهم، وقيل: معناه اعملوا ما أمركم الله تعالى به من الصدقات وغيرها فإن الله سيرى عملكم { ورسوله } يعني يرى رسوله ويعلم وهو شهيد عليكم { وآخرون مرجون لأمر الله } وآخرون من المتخلفين عاقبة أمرهم { إما يعذبهم } أي بقوا على إصرارهم ولم يتوبوا { وإما يتوب عليهم } إن تابوا وهم ثلاثة كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع، أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه ألاَّ يسلموا عليهم ولا يكلموهم ولا يفعلوا كما فعل أبو لبابة وأصحابه وغيره من شد أنفسهم على السواري وإظهار الجزع والغمّ، فلما علموا أن أحداً لا ينظر إليهم فوضوا أمرهم إلى الله تعالى وأصلحوا نياتهم ونصحت توبتهم فرحمهم الله وتاب عليهم بعد خمسين ليلة، ونزل فيهم وعلى الثلاثة الذين خلفوا الآية.