التفاسير

< >
عرض

الۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْحَكِيمِ
١
أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ ٱلْكَافِرُونَ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ
٢
إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ
٣
إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ بِٱلْقِسْطِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ
٤
-يونس

تفسير كتاب الله العزيز

تفسير سورة يونس
وهي مكية كلها
{ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }. قوله: { الۤر }. ذكروا أن علياً قال: الۤر وحَمَ، ونون: الرَّحمن. وكان الكلبي يقول في هذا وأشباهه: هو من الذي قال الله فيه:
{ وَاُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } [آل عمران:7]. وكان الحسن يقول: ما أدري ما تفسير الۤر وأشباه ذلك، غير أن قوماً من السلف كانوا يقولون: أسماء السور وفواتحها.
قوله: { تِلْكَ ءَايَاتُ الكِتَابِ الحَكِيمِ } أي: هذه آيات الكتاب الحكيم. أي المحكم؛ أحكمت آياته بالأمر والنهي.
قوله: { أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً } على الاستفهام { أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ } يعني محمداً صلى الله عليه وسلم، أي: إنه ليس بِعَجَبٍ. وقد قال في آية أخرى:
{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ القُرَى } [يوسف:109]؛ ولم يبعث الله رسولاً من أهل البادية، ولا من الجن، ولا من النساء.
قوله: { أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ } أي: عذاب الله في الدنيا والآخرة إن لم يؤمنوا، كما أهلك قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم حين كذبوا رسلهم.
وهذا جواب من الله لقول المشركين حيث قالوا: { وَانطَلَقَ المَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى ءَالِهَتِكُمْ } أي على عبادتها
{ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ } [سورة ص:6]. وقال في الآية الأخرى: { إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } [سورة ص:5]. فقال الله: { أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا } أي بأن أوحينا { إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ } يعرفونه ويعرفون نسبه.
قوله: { وَبَشِّرِ الَّذِينَ ءَامَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ } أي سلف صدق عند ربهم أي إنهم يثابون به الجنة. كقوله:
{ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ } [الروم:44].
{ قَالَ الكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ } يعنون القرآن. وبعضهم يقرأون: { لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ } يعنون النبي، وهم مشركو العرب. فأراد الله أن يحتج عليهم وأن يبيّن لهم؛ فقال تبارك وتعالى:
{ إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ }، وفيها إضمار؛ قال في آية أخرى:
{ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا } [السجدة:4] { فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } والأيام كل يوم ألف سنة. قال: { وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } [الحج:47].
قوله: { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ }.
ذكروا عن الحسن أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً لأصحابه:
"ما تسمون هذه أو قال: هذا؟ قالوا: السماء. قال: هذه الرقيع، موج مكفوف، وغلظها مسيرة خمسمائة سنة، وبينها وبين السماء التي فوقها مسيرة خمسمائة عام وغلظها خمسمائة سنة، وبينها وبين السماء الثالثة مثل ذلك، حتى عد سبع سماوات وأرضين هكذا. قال: وبين السماء السابعة وبين العرش كما بين سماءين. وغلظ هذه الأرض مسيرة خمسمائة سنة، وبينها وبين الثانية مسيرة خمسمائة عام، وبينها وبين الثالثة مسيرة خمسمائة عام حتى عدَّ سبع أرضين هكذا"
ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أذن لي أن أحدّث عن ملك من حملة العرش رجلاه في الأرض السفلى، وعلى قرنه العرش. وَبَيْنَ شحمة أذنه إلى عاتقه خفقان الطير مسيرة سبعمائة سنة يقول: سبحانك حيث كنت"
قوله: { يُدَبِّرُ الأَمْرَ } قال الحسن: يعني في خلقه، ما يحيي ويميت، وما يرزق ويفعل. وهو كقوله: { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } [الرحمن:29]. وقال مجاهد: يدبّره أي: يقضيه.
قوله: { مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ } يقول: ليس أحد يشفع يوم القيامة إلا أن يؤذن له. كقوله:
{ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } [البقرة:255] وكقوله: { وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى } [الأنبياء:28] وقال: { مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } [غافر:18].
قوله: { ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً } يوم القيامة. يقول: إن الذي خلق السماوات والأرض، ثم استوى على العرش، يدبر الأمر، والذي لا يشفع عنده إلا بإذنه، هو ربكم، أي فإن ذلكم الله ربكم فاعبدوه. أفلا تذكرون. إليه مرجعكم جميعاً، يعني البعث يوم القيامة لأنهم لا يقرون بالبعث.
قوله: { وَعْدَ اللهِ حَقّاً } [أي في المرجع إليه] { إِنَّهُ يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ } وهو كقوله:
{ قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنشِىءُ النَّشْأَةَ الأَخِرَةَ } [العنكبوت:20] أي: يوم القيامة. وقال مجاهد: { إِنَّهُ يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ }: يحييه ثم يميته، ثم يبدؤه فيحييه.
قال: { لِيَجْزِيَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالقِسْطِ } أي: بالعدل، أي: يجريهم الجنة. { وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ } وهو الذي قد انتهى حرّه. { وَعَذَابٌ أَلِيمٌ } أي موجع { بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ }. أي: إن ذلك جزاؤهم بما كانوا يكفرون.