التفاسير

< >
عرض

يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ
٢٧
أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ
٢٨
جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ
٢٩
-إبراهيم

تفسير كتاب الله العزيز

قوله: { يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الأَخِرَةِ }.
بلغنا عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: إن المؤمن إذا وضع في قبره ورجع عنه أصحابه أتاه ملك فأجلسه، ثم يقول له: من ربك؟ فيقول: الله ربي. ثم يقول له: وما دينك؟ فيقول: الإِسلام. ثم يقول له فمن نبيك؟ فيقول: محمد صلى الله عليه وسلم. فيقال له: صدقت. ثم يفتح له باب إلى النار، ثم يقال له: انظر إلى هذه النار التي لو أنك كذبت صرت إليها، وقد أعاذك الله منها. ثم يفتح له باب إلى الجنة، ثم يقال له: هذه الجنة، ثم يرى منزله فيها فلا يزال يأتيه من ريح الجنة وبردها، حتى تأتيه الساعة.
وإن الكافر إذا وضع في قبره، ورجع عنه أصحابه أتاه مَلَك فأجلسه، ثم قال له: من ربك؟ فيقول: لا أدري، ثم يقول له: من نبيّك؟ فيقول له: لا أدري، فيقال له: لا دريت، ثم يفتح له باب إلى الجنة فينظر إليها: ثم يقال له: هذه الجنة التي لو أنك آمنت بالله، وصدقت رسوله، وعملت بفرائضه صرت إليها، لن تراها أبداً، ثم يفتح له باب إلى النار، فيقال له: هذه النار التي أنت صائر إليها، ثم يضيق عليه قبره، ثم يضرب ضربة لو أصابت جبلاً ارفض ما أصابت منه، قال: فيصيح عند ذلك صيحة يسمعها كل شيء إلا الثقلين. قال: فهو قوله: يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
قال: { وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ }.
ذكر جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن هذه الأمة تبتلى في قبورها. إذا أدخل المؤمن قبره وتولىعنه أصحابه جاءه ملك شديد الانتهار فيقول له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: إنه رسول الله وعبده. فيقول: انظر إلى مقعدك الذي كان لك من النار، قد أعاذك الله منه، وأبدلك بمقعدك الذي ترى من النار مقعدك الذي ترى من الجنة، فيراهما كليهما، فيقول المؤمن: دعوني أبشر أهلي، فيقال له: اسكن.
وأما المنافق فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري، أقول ما يقول الناس، فيقال له: لا دريت، هذا مقعدك الذي كان لك من الجنة قد أبدلت مكانه مقعدك من النار"
.
قال جابر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يبعث كل عبد في القبر على ما مات عليه؛ المؤمن على إيمانه، والمنافق على نفاقه
"
ذكر البراء بن عازب "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبع جنازة رجل من الأنصار، فلما انتهى إلى قبره وجده لم يلحد. فجلس وجلسنا حوله كأنما على رؤوسنا الطير، وبيده عود ينكث به الأرض، ثم رفع رأسه فقال: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر" . قالها ثلاثاً. "إن المؤمن إذا كان في قِبَل من الآخرة وانقطاع من الدنيا أتته ملائكة وجوههم كالشمس بحنوطه وكفنه، فجلسوا منه بالمكان الذي يراهم منه. فإذا خرج روحه صلى عليه كل ملك بين السماء والأرض، وكل ملك في السماوات، وفتحت أبواب السماء، كل باب منها يعجبه أن تصعد روحه منه. فينتهي الملك إلى ربه فيقول: يا ربّ، هذا روح عبدك. فيصلي الله عليه وملائكته ويقول: ارجعوا بعبدي وأرُوه ما أعددت له من الكرامة، فإني عهدت إلى عبادي أني مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ [سورة طَهَ:55] فيرد إليه روحه حتى يوضع في قبره. وإنه ليسمع قرع نعالهم حتى ينطلقون عنه، فيقال: من ربّك، وما دينك، ومن نبيّك؟ فيقول: الله ربّي، والإِسلام ديني، ومحمد نبيّي، فنادى منادٍ: { يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الأَخِرَةِ }.
ويأتيه عمله في صورة حسنة وريح طيبة فيقول: أبشر بحياة فيها نعيم مقيم، فقد كنت سريعاً في طاعة الله، بطيئاً عن معصية الله، فيقول: وأنت فبشّرك الله بخير، فمثل وجهك يبشّر بالخير، فمن أنت؟ فيقول: أنا عملك الحسن. فيفتح له باب من أبواب النار فيقال له: هذا منزلك، فأبدلك الله خيراً منه. ثم يفتح له منزله من الجنة، فينظر ماذا أعد الله له من الكرامة فيقول: يا رب متى تقوم الساعة كي ارجع إلى أهلي ومالي، فيوسّع له في قبره ويرقد.
وأما الكافر فإذا كان في قِبَل من الآخرة وانقطاع من الدنيا أتته الملائكة بسرابيل من قطران، ومقطعات من نار. فجلسوا منه بالمكان الذي يراهم. وينتزع روحه كما ينتزع السّفود الكثير شعبه من الصوف المبتل من عروقه وقلبه. فإذا خرج روحه لعنه كل ملك بين السماء والأرض وكل ملك في السماوات، وغلقت أبواب السماء دونه، كل باب يكره أن يصعد روحه منه. فينتهي لملك إلى ربه فيقول: يا ربّ هذا روح عبدك فلان لا تقبله أرض ولا سماء، فيلعنه الله وملائكته فيقول: ارجعوا بعبدي فأروه ما أعددت له من الهوان، فإني عهدت إلى عبادي أني منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم. فيردّ إليه روحه حتى يوضع في قبره، وإنه ليسمع قرع نعالهم حين ينصرفون عنه. فيقال له: ما دينك ومن ربك؟ فيقول: لا أدري. فيقال له: لا دريت.
فيأتيه عمله في صورة قبيحة وريح منتنة فيقول: أبشر بعذاب مقيم، فيقول: وأنت فبشّرك الله بشرّ، فمثل وجهك يبشّر بالشر، فمن أنت؟ فيقول: أنا عملك الخبيث. ثم يفتح له باب من أبواب الجنة فيقال له: هذا منزلك لو أطعت الله. ثم يفتح له منزله من النار فينظر إلى ما أعدّ الله له من الهوان، ويُقيَّض له أصم أعمى بيده مرزبة لو توضع على جبل لصار رفاتاً، فيضربه ضربة فيصير رفاتاً. ثم يعاد فيضربه بين عينيه ضربة يصيح بها صيحة يسمعها من على الأرض إلا الثقلين، وينادي منادٍ أن أفرشوه لوحين من النار، فيفرش لوحين من نار، فيضيّق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه"
.
قوله: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً } أي: نعمة الله التي أنعمها عليهم جعلوامكانها كفراً. كقوله: { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } [الواقعة:82] أي: تجعلون مكان شكر النعمة تكذيباً وكفراً. فكان كفر المشركين تكذيباً، وكان كفر المنافقين كفراً لأنعم الله، لم يشكروها. وإذا لم تشكر النعم فقد كفرت.
قوله: { وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ القَرَارُ } [هم المشركون من أهل بدر] أخرجوا قومهم إلى قتال النبي صلى الله عليه وسلم ببدر؛ يعني أخرج بعضهم بعضاً فقتلهم الله ببدر فحلوا في النار.
وقوله: { دَارَ البَوَارِ }، أي: دار الفساد، أي: أفسدت أجسادهم في النار. وقال الحسن: دار البوار شرهم، قوله: { وَبِئْسَ القَرَارُ }، أي: وبئس المأوى والمنزل الذي استقروا فيه فصار قرارهم.