التفاسير

< >
عرض

وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ إِنَّ ٱلْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً
٨١
وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ ٱلظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً
٨٢
وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلإنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ كَانَ يَئُوساً
٨٣
قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلاً
٨٤
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً
٨٥
-الإسراء

تفسير كتاب الله العزيز

قوله: { وَقُلْ جَاءَ الحَقُّ } أي: القرآن. { وَزَهَقَ البَاطِلُ } أي: إبليس { إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً } والزهوق: الداحض الذاهب.
قوله: { وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْءَانِ } أي: ينزل الله من القرآن { مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً } أي: كلما جاء من القرآن شيء كذبوا به فازدادوا فيه خساراً إلى خسارهم.
قوله: { وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ } يعني المشرك، أعطيناه السعة والعافية. { أَعْرَضَ } عن الله وعن عبادته { وَنَئَا بِجَانِبِهِ } أي: تباعد عن الله مستغنياً عنه. وقال مجاهد: تباعد منا؛ وهو واحد. { وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ } أي: الأمراض والشدائد. { كَانَ يَئُوساً }. يقول: يئس أن يفرّج ذلك عنه لأنه ليست له نية ولا حسبة ولا رجاء.
{ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ } أي: على ناحيته ونيّته؛ أي: المؤمن على إيمانه، والكافر على كفره { فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً } أي: فهو أعلم بأن المؤمن أهدى سبيلاً من الكافر.
قوله: { وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ } ذكر مجاهد أن ناساً من اليهود لقوا النبي عليه الصلاة والسلام وهو على بغلته فسألوه عن الروح فأنزل الله: { وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ } { قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ العِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }.
وفي تفسير الكلبي أن المشركين بعثوا رسلاً إلى المدينة فقالوا لهم: سلوا اليهود عن محمد وصِفوا لهم نعته وقوله، ثم ائتونا فأخبرونا.
فانطلقوا حتى قدموا المدينة فوجدوا بها علماء اليهود من كل أرض قد اجتمعوا فيها لعيد لهم. فسألوهم عن محمد ووصفوا لهم نعته. فقال لهم حبر من أحبار اليهود: إن هذا لنعت النبي الذي نُحدَّث أن الله باعثه في هذه الأرض. فقالت له رسل قريش: إنه فقير عائل يتيم لم يتّبعه من قومه من أهل الرأي أحد ولا من ذوي الأسنان. فضحك الحبر وقال: كذلك نجده. فقالت رسل قريش: إنه يقول قولاً عظيماً: يدعو إلى الرحمن ويقول: إن الذي باليمامة الساحر الكذاب، يعنون مسيلمة. فقالت لهم اليهود: لا تكثروا علينا. اذهبوا فاسألوا صاحبكم عن خلال ثلاث، فإن الذي باليمامة قد عجز عنهن. فأما اثنتان فإنهما لا يعلمهما إلا نبي، فإن أخبركم بهما فإنه صادق. وأما الثالثة فلا يجترىء عليها أحد. قالت لهم رسل قريش: أخبرونا بهن. فقالت لهم اليهود: سلوه عن أصحاب الكهف والرقيم، وقصوا عليهم قصتهم، واسألوه عن ذي القرنين، وحدثوهم بأمره، واسألوه عن الروح، فإن أخبركم فيه بشيء فهو كاذب.
فرجعت رسل قريش إليهم فأخبروهم بذلك. فأرسلو إلى نبيّ الله فلقيهم فقالوا له: يا ابن عبد المطلب، إنا سائلوك عن خلال ثلاث، فإن أخبرتنا عنهن فأنت صادق، وإلا فلا تذكر آلهتنا بسوء. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"وما هن؟ قالوا: أخبرنا عن أصحاب الكهف، فإنا قد أخبرنا عنهم بآية بيّنة، وأخبرنا عن ذي القرنين، فإنا أخبرنا عنه بأمر بيّن. وأخبرنا عن الروح. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنظروني حتى أنظر ما يُحدِث إليَّ فيه ربّي. قالوا: فإنا ناظروك فيه ثلاثة أيام. فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم أياماً لا يأتيه جبريل. ثم أتاه جبريل. فاستبشر النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا جبريل، قد رأيت ما سألني عنه قومي، ثم لم تأتني. فقال له جبريل: { وَمَا نَتَنَزَّلُ إلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً } [مريم:64]. فإذا شاء ربك أرسلني إليك. ثم قال له جبريل: { وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ العِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }. ثم قال: { أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً } [الكهف:9]، فذكر قصتهم. ثم قال: { وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي القَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِّنْهُ ذِكْراً } [الكهف:83]. فذكر قصته.
ثم لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً في آخر اليوم الثالث فقالوا: ماذا أحدث لك ربك في الذي سألناك عنه، فقصّه عليهم. فعجبوا، فغلب عليهم الشيطان أن يصدقوه"
.
ذكروا أن ابن عباس فسّر الروح مرة واحدة ثم أمسك عن تفسيرها. وفسّرها بعض السلف مرة واحدة، ثم كفّ عن تفسيرها. وأما الحسن فقال الروح: القرآن. قال: { الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي } أي: القرآن من أمر ربي { وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ العِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }.
وذكروا عن بعض التابعين أنه قال: الروح خلق من خلق الله لهم أيد وأرجل.
وقال بعضهم: لقيت اليهود نبيُّ الله فتعنّتوه وسألوه عن الروح وعن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين؛ فأنزل الله: { وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ العِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } أي: اليهود.