التفاسير

< >
عرض

قَالَ هَـٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً
٩٨
-الكهف

تفسير كتاب الله العزيز

قوله: { قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مَّن رَّبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي } يعني خروجهم { جَعَلَهُ دَكَّاءَ } أي: الجبلين، أي: السّدّ. وهي تقرأ على وجه آخر: { دَكَّا } ممدودة، أي: أرضاً مستوية. { وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً }.
ذكروا عن عقبة بن عامر الجهني قال: كان يومي الذي كنت أخدم فيه النبي صلى الله عليه وسلم، فخرجت من عنده فإذا أنا برجال من أهل الكتاب معهم مصاحف أو كتب. فقالوا: استأذن لنا على رسول الله. فانصرفت إليه، فأخبرته بمكانهم. فقال:
"مالي ولهم يسألونني عما لا أدري. وإنما أنا عبد لا أعلم إلا ما علمني الله. ثم قال: ايتوني وَضوءاً. فأتيته بوَضوء. فتوضأ، ثم قام إلى المسجد فركع ركعتين. فما انصرف حتى بدا لي السرور في وجهه. فقال: اذهب فأدخلهم وأدخل من وجدت بالباب من أصحابي.
فلما وقفوا عليه قال: إن شئتم أخبرتكم بما أردتم أن تسألوني عنه قبل أن تتكلموا. وإن شئتم سألتم وأخبرتكم. قالوا: بل أخبرنا بما جئنا له قبل أن نتكلم. قال: جئتم تسألونني عن ذي القرنين. وسأخبركم عما تجدونه مكتوباً في كتبكم:
إن أول أمره أنه كان غلاماً من الروم، وأعطي ملكاً. فسار حتى انتهى إلى أرض مصر، فبنى عندها مدينة يقال لها الإِسكندرية. فلما انتهى من بنائها أتاه ملك فعرج به حتى استقله فرفعه ثم قال له: انظر ما تحتك. فقال: أرى مدينتي وأرى مدائن أخرى. ثم عرج به فقال: انظر، فقال: قد اختلطت مدينتي مع المدائن. ثم زاد فقال: انظر، فقال: أرى مدينتي وحدها لا أرى غيرها. فقال له الملك: إنما تلك الأرض كلها، وهذا السواد البحر. وإنما أراد الله أن يريك الأرض. وقد جعل لك سلطاناً فيها. فسر في الأرض، فعلّم الجاهل، وثبّت العالم. فسار حتى بلغ مغرب الشمس، ثم سار حتى بلغ مطلع الشمس، ثم أتى السّدّين، وهما جبلان ليّنان يزلق عنهما كل شيء، فبنى السد. فوجد ياجوج وماجوج يقاتلون قوماً وجوههم كوجوه الكلاب، ثم قطعهم فوجد أمة قصاراً يقاتلون الذين وجوههم كوجوه الكلاب. ثم مضى فوجد أمة من الغرانيق يقاتلون القوم القصار. ثم مضى فوجد أمة من الحيات تلتقم الحية منها الصخرة العظيمة. ثم أفضى إلى البحر المدير بالأرض.
فقالوا: نحن نشهد أن أمره كان هكذا، وإنا نجده في كتابنا هكذا"
.
ذكروا عن عبد الله بن عمرو قال: إن خلف ياجوج وماجوج ثلاث أمم [لا يعلم عدتهم إلا الله]: تارس وتاويل وميسك.
ذكروا عن علي بن أبي طالب أنه سئل عن ذي القرنين فقال: لم يكن ملكاً ولا نبياً، ولكنه كان عبداً صالحاً، ناصحاً لله فنصحه. دعا قومه إلى الإِيمان فلم يجيبوه. فضربوه على قرنه فقتلوه، فأحياه الله. ثم دعا قومه أيضاً فضربوه على قرنه فقتلوه فأحياه الله فسمِّيَ ذا القرنين.
ذكروا أن رجلاً سأل عبد الله بن عمرو عن ياجوج وماجوج: الأذرع هم أم الأشبار؟ فقال: ما أجد من ولد آدم بأعظم منهم ولا أطول. ولا يموت الميت منهم حتى يولد له ألف ولد فصاعداً. قال: قلت فما طعامهم؟ قال: هم في شجر ما هضموا، وفي ماء ما شربوا، وفي نساء ما نكحوا. ذكر بعضهم قال: إن هؤلاء الترك ممن سقط دون الردم من ولد يأجوج ومأجوج.
ذكروا عن عبد الله بن مسعود أنه قال: يخرج ياجوج وماجوج يموجون في الأرض فيفسدون فيها. ثم قرأ عبدالله:
{ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ } [الأنبياء:96] ثم يبعث عليهم دابة مثل النّغف، فتلج في أسماعهم ومناخرهم فيموتون منها. قال: فتنتن الأرض منهم، فتجأر إلى الله، فيرسل الله عليهم ماء فيطهر الأرض منهم.
وذكروا عن كعب قال: إن ياجوج وماجوج ينقرون كل يوم بمناقرهم في السّدّ، فيسرعون فيه. فإذا أمسوا قالوا: نرجع غداً فنفرغ منه؛ فيصبحون وقد عاد كما كان. فإذا أراد الله خروجهم قذف على ألسن بعضهم الاستثناء، فيقولون نرجع غداً إن شاء الله فنفرغ منه، فيصبحون وهو كما تركوه فينقبونه، ويخرجون على الناس، فلا يأتون على شيء إلا أفسدوه. فيمر أولهم على البحيرة فيشربون ماءها، ويمر أوسطهم فيلحسون طينها، ويمر آخرهم عليها فيقولون: قد كان ها هنا مرة ماء، فيقهرون الناس، ويفر الناس منهم في البرّيّة والجبال، فيقولون: قهرنا أهل الأرض فهلمّوا إلى أهل السماء. فيرمون نشابهم نحو السماء فترجع تقطر دماً، فيقولون: قد فرغنا من أهل الأرض وأهل السماء، فيبعث الله عليهم أضعف خلقه: النغف: دودّة تأخذهم في رقابهم فتقتلهم حت تنتن الأرض من جيفهم، ويرسل الله الطير فتلقي جيفهم إلى البحر. ثم يرسل الله السماء فتطهر الأرض. وتخرج الأرض زهرتها وبركتها، ويتراجع الناس حتى إن الرمانة لتشبع أهل البيت. [وتكون سلوة من عيش. فبينما الناس كذلك إذ جاءهم خبر ان ذا السويقتين قد غزا البيت] فيبعث المسلمون جيشاً فلا يصلون إليهم، ولا يرجعون إلى أصحابهم، حتى يبعث الله ريحاً طيبة يمانية من تحت العرش، فتكفت روح كل مؤمن. ثم لا أجد مثل الساعة إلا كرجل أنتج مهراً له فهو ينتظر متى يركبه. فمن تكلّف من أمر الساعة ما وراء هذا فهو متكلِّف.
ذكروا أن عيسى عليه السلام يقتل الدجال [بباب لد أو عندها] فبينما هم كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى أني قد أخرجت عباداً لي لا ندين لاحد بقتالهم فحرّز عبادي في الطور. ويبعث الله ياجوج وماجوج، وهم كما قصّ
{ مِن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ } [الأنبياء:96]. فيمر أولهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون: قد كان ها هنا ماء مرة. فيسيرون حتى ينتهوا إلى الجبل الأحمر لا يعدونه. فيقول بعضهم لبعض: قد قتلنا من في الأرض [إلا من دان لنا] فهلمّوا فلنقتل من في السماء. فيرمون بسهامهم نحو السماء فيردها الله مخضوبة دماً. ويحصرون نبي الله عيسى وأصحابه. فبينما هم كذلك إذ رغبوا إلى الله، فأرسل الله عليهم نغفاً في رقابهم فيصبحون فرسي كموت نفس واحدة. فيهبط نبي الله عيسى وأصحابه فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم ودماؤهم. فيرغب عيسى ومن معه إلى الله فيرسل الله عليهم كأعناق البخت فتلقيهم في البحر.
ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لَيُحَجَّنَّ البَيْتُ وَلَيُعْتَمَرَنَّ بعد خروج ياجوج وماجوج"