التفاسير

< >
عرض

الۤـمۤ
١
-البقرة

تفسير كتاب الله العزيز

تفسير سورة (البقرة). وهي مدنية كلها
{ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }. قوله: { الۤمۤ }. كان الحسن يقول: ما أدري ما تفسير { الۤمۤ وَ الۤر وَالۤمۤصۤ } وأشباه ذلك [من حروف المعجم]. غير أن قوماً من المسلمين كانوا يقولون: أسماء السور ومفاتحها.
ذكروا عن علي بن أبي طالب أنه قال: { الۤر، حـمۤ، نۤ } هو الرَّحْمَنُ. يقول: إنه يجعلها اسماً من أسماء الله حروفاً مقطعة في سور شتى، فإذا جمعها صار اسماً من أسماء الله، وهو مبتدأ الاسم.
وكان الكلبي يقول: هي الأُخَر المتشابهات.
قال:
"بلغنا أن رهطاً من اليهود، منهم كعب بن الأشرف، وحيي بن أخطب، وأبو ياسر، دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه عن { الۤمۤ ذَلِكَ الْكِتَابُ } [البقرة:1-2] فقال حيي: إنه بلغني أنك قرأت { الۤمۤ ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِّلْمُتَّقِينَ }. أناشدك الله، إنها أتتك من السماء؟ فقال رسول الله: نعم، والله لكذلك نزلت. قال حيي: إن كنت صادقا أنها أتتك من السماء إني لأعلم أُكُل هذه الأمة. ثم نظر حيي إلى أصحابه فقال: كيف ندخل في دين رجل إنما ينتهي أُكُل أمته إلى إحدى وسبعين سنة. فقال له عمر: وما يدريك أنها إحدى وسبعون سنة؟ فقال لهم حيي: أما الألف فهي في الحساب واحد، واللام ثلاثون، والميم أربعون. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال له حيي: هل غير هذا؟ فقال: نعم. قال: ما هو؟ قال: { الۤمۤصۤ كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } [الأعراف: 1-2]. فقال: هذا أكثر من الأول: هذا إحدى وثلاثون ومائة سنة؛ نأخذه من حساب الجُمَّل. قال: هل غير هذا؟ قال: نعم. قال: ما هو؟ قال: { الۤر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِير } [هود:1]. قال حيي: هذه أكثر من الأولى والثانية. فنحن نشهد لئن كنتَ صادقاً ما ملك أُمتِك إلا إحدى وثلاثون ومائتا سنة، فاتَّق الله ولا تقل إلا حقاً. فهل غير هذا؟ قال: نعم. قال: ما هو؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { الۤمۤر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } [الرعد:1]. قال حيي: فأنا أشهد أنا من الذين لا يؤمنون بهذا القول، لأن هذه الآية أكثر؛ هذه إحدى وسبعون ومائتا سنة. فلا أدري بأيِّ قولك نأخذ، وبأي ما أنزل عليك نتِّبع. قال أبو ياسر: أما أنا فأشهد أن ما أنزل الله على أنبيائنا أنه الحق، وأنهم قد بَيَّنوا على ملك هذه الأمة ولم يوقِّتوا كم يكون أُكلهم حتى كان محمد، فإن كان محمد صادقاً كما يقول، إني لأراه سيجمع لأمته هذا كله: إحدى وسبعين، وإحدى وثلاثين ومائة، وإحدى وثلاثين ومائتين، وإحدى وسبعين ومائتين [فهذه] سبعمائة وأربع سنين. فقال القوم كلهم: قد اشتبه علينا أمرك، فلا ندري بالقليل نأخذ أم بالكثير"
. فذلك قوله: { هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ } [سورة آل عمران: 7] هن ثلاث آيات من آخر سورة الأنعام؛ أولاهن: { قُلْ تَعَالُوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُم مِّنْ إِمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [الأنعام:151-153]. هذا في تفسير الكلبي.
وفي تفسير غيره من السلف، فإنه يجعل الأَنعام مكيةً كلَّها. وكان هذا الأمرُ بالمدينة.
قال الكلبي: وأمَّا المتشابه [فـ] { الۤمۤ } وَ { الۤمۤصۤ } وَ { الۤر }. قال الله: { فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ } لهؤلاء النفر من اليهود، مما كانوا يحسبون من ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله كم يكون أُكل هذه الأمة؛ ولا يعلم ما كتب الله لهذه الأمة من الأُكل، أي: المدة، إلا الله.
وغير الكلبي يفسِّر المتشابهات على وجه آخر. وسنفسِّر ذلك في سورة آلِ عِمْرَانَ إن شاء الله.