التفاسير

< >
عرض

وَأَنْفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ
١٩٥
وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ للَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجِّ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
١٩٦
-البقرة

تفسير كتاب الله العزيز

قوله: { وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ }. ذكر البراء ابن عازب قال: كان الرجل يذنب فيلقي بيده فيقول: لا يغفر الله لي، فلا يجاهد، ولا يعمل، ولا ينفق في سبيل الله.
ذكروا عن أبي صالح عن ابن عباس أنه قال: تمتَعْ في سبيل الله ولو بسهم. وذكر بعضهم أنه قال: أعطاهم الله رزقاً ومالاً فكانوا يسافرون ويغزون ولا ينفقون أموالهم، فأمرهم الله أن ينفقوا في سبيل الله.
قال مجاهد: لا يمنعكم نفقةً في حق خيفةُ القتل.
وكان الحسن يفسر: { وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } يقول: إن ترككم الإِنفاق في سبيل الله إلقاء منكم بأيديكم إلى التهلكة. والتهلكة ما أهلككم عند الله. وهذا حقيقة التأويل. وذكروا عن حذيفة أنه قال: هي في [ترك] النفقة. وذكروا عن الحسن أنه قال: لم يقبض رسول الله حتى صار الجهاد تطوّعاً.
قوله: { وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ }. أي: وأحسنوا في نفقاتكم وما افترض الله عليكم. وقال بعضهم: أمرهم أن ينفقوا في سبيل الله وأن يحسنوا فيما رزقهم الله.
قوله: { وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ لِلَّهِ }. قال بعض المفسرين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إنما هي حج وعمرة فمن قضاهما فقد قضى الفريضة أو قضى ما عليه. فما أصاب بعد ذلك فهو تطوع" .
ذكروا عن مسروق أنه قال: أمرتم في القرآن بإقامة أربع: الصلاة والزكاة والحج والعمرة. وذكروا عنه أيضاً أنه قال: العمرة من الحج كالزكاة من الصلاة.
ذكر داود بن حصين عن ابن عباس أنه قال: العمرة واجبة كوجوب الحج، وهي الحج الأصغر. والعامة مجمعون على أن الحج والعمرة فريضتان ما خلا عبد الله بن مسعود، فإنه كان يقول: الحج فريضة والعمرة تطوع فيقرأ على هذا التفسير بنصب الحج وبرفع العمرة؛ يقول: والعمرةُ لله. وتقرأ العامة على حديث النبي صلى الله عليه وسلم كليهما بالنصب، وهو العدل المأخوذ به.
قوله: وأتموا الحج أي: إلى عرفات، والعمرة إلى البيت. ذكروا عن ابن عباس أنه قال: الحج عرفات، والعمرة الطواف.
قوله: { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ } [الإِحصار أن يعرض للرجل ما يحول بينه وبين الحج من مرض أو عدو]. إذا أهل بالحج ثم أحصر: حبسه مرض، أو ضلّت راحلته وكل ما حبسه، أقام محرماً وبعث بهدي؛ فإذا نحر يوم النحر حلّ من كل شيء إلا النساء والطيب. فإن احتاج إلى شيء قبل أن ينحر الهدي الذي بعث به مما لا يفعله المحرم، من دواء فيه طيب، أو حلق رأس، أو لبس ثوب لا يلبسه المحرم، أو شيء لا يَصلُح للمحرم، فعليه فدية من صيام أو صدقة أو نسك. فإذا برَأَ، وهو قوله: { فَإِذَا أَمِنتُمْ } فمضى إلى البيت وكان حاجاً فجعلها عمرة، ثم حج من قابل، فعليه هدي آخر، لأنه قد تمتع بالعمرة إلى الحج. وإن رجع إلى بلده، أو أقام مكانه، أقام على إحرامه، كافاً عن النساء والطيب، ثم حج، فليس عليه هدي؛ ووَقْتُ نحر هديه يوم النحر إذا كان حاجاً.
وإذا كان معتمراً وقَّتَ للذي يبعث الهدي معه: يشتري يوم كذا وكذا، ويَقدِم يوم كذا وكذا، وينحر يوم كذا وكذا؛ فإذا جاوز الحد حلّ له كل شيء إلا النساء والطيب، حتى يطوف بالبيت متى طاف، فيقضي عمرته. ويُستَحَبّ له أن ينتظر بعد اليوم الذي وقَّت أن يُنحَر الهدي فيه بيوم أو يومين مخافة ما يحدث.
ذكروا في قول الله: { فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ } قالوا: شاة. وذكر مجاهد عن ابن عباس أنه قال: مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ من الأزواج الثمانية، من الضأن اثنين، ومن المعز اثنين، ومن الإِبل اثنين، ومن البقر اثنين. وذكروا عن ابن عمر أنه قال: ما استيسر من الهدي من الإِبل والبقر.
قوله: { وَلاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَديُ مَحِلَّهُ } ذكروا عن عطاء أنه قال: كل هدي دخل الحَرَم ثم عطب فقد بلغ مَحِلَّه إلا هدي المتعة [والمحصر] فإنه لا بد له أن يهريق دماً يوم النحر.
قوله: { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ }.
ذكر مجاهد قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة
" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ به عام الحديبية وهو محرم، وهو يوقِد تحت قِدر له. فنكس رأسه، فإذا الهوام تجول في رأسه، وتتنثر على وجهه ولحيته، فقال: أَتُؤْذِيكَ هوام رأسك يا كعب؟ قال: نعم. فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احلقه وصم ثلاثة أيام أو أطعم فَرَقاً بين ستة، أو اهد شاة" .قال: والفَرَق ثلاثة أصواع، كل صاع بين اثنين.
قوله: { فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ } يقول: من أهلَّ بعمرة في أشهر الحج، في شوال، أو في ذي القعدة أو في ذي الحجة ثم حج من عامه فهو متمتع عليه ما استيسر من الهدي. فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.
قال عمران بن حصين صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل فيها القرآن.
وذكر بعضهم قال: قيل لابن عباس: إنهم يروون عنك أنك تقول: من طاف البيت فقد حلّ. فقال: تلك سنة نبيّكم وإن رغمتم.
ذكر عطاء عن جابر بن عبد الله أنه قال:
"قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صباح أربعة مضين من ذي الحجة مهلّين بالحج. فلما طفنا بالبيت، وصلينا الركعتين، وسعينا بين الصفا والمروة، أمرنا فقال: قصّروا فقصّرنا. ثم قال: أحلوا.فقلنا: يا رسول الله، نحلّ مماذا. قال: حل ما يحل الحلال؛ من النساء والطيب. ثم قال: فغشيت النساء، وسطعت المجامر" . وبلغنا أن بعضهم يقول: ينطلق أحدنا إلى مِنًى وذكره يقطر مَنِيّاً. فخطبهم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي، ولو لم أسق الهدي لحللت: ألا فخذوا عني مناسككم" .
قال: فلما كان يوم التروية أهللنا بالحج من البطحاء، فكان الهدي على من وجد، والصيام على من لم يجد. وأشرك بينهم في الهدي البعير عن سبعة، والبقرة عن سبعة. قال: وكان عطاء يقول: كان طوافهم طوافاً واحداً وسعيهم سعياً واحداً لحجهم ولعمرتهم.
ذكروا عن أنس بن مالك خادم النبي عليه السلام أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"لبيك بالعمرة والحج جمعياً" .
ذكر عمرو عن مجاهد قال: أهلّ الضبي بن معبد بالعمرة والحج فمرّ على سليمان بن ربيعة وزيد بن صوحان وهو يلبي بهما فقالا: لهذا أضل أو أقل عقلاً من جَمَل أهله. فلما قدم على عمر ذكر ذلك له فقال: هُدِيت لسنة نبيك.
قوله: { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ } العامة على أن صيام ثلاثة أيام في الحج قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة. ذكروا أن علياً قال: قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة. ذكروا عن ابن عمر مثل ذلك. ذكروا عن الحسن وعطاء أنهما قالا: في العشرة.
ذكروا عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: من يوم أن يُهِلَّ إلى يوم عرفة، فإن فاته ذلك صام أيَّام منى.
ذكروا أن رجلاً أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يومَ النحر فقال: يا أمير المؤمنين، إني تمتّعت ولم أجد الهَدي ولم أَصُمْ. فقال: سَلْ في قومك، ثم قال: يا مُعَيْقِيبُ. أعطه شاة. ذكروا عن سعيد بن جبير قال: يبيع ثيابه ويهريق دماً.
قوله: { وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ } ذكروا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إذا رجع إلى أهله. ذكروا عن مجاهد قال: إن شاء صامها في الطريق.
قوله: { ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } أي إذا عاقب.
ذكروا عن عطاء عن ابن عباس أنه قال: يا أهل مكة، ليست لكم متعة، فإن كنتم فاعلين لا محالة فاجعلوا بينكم وبين مكة وادياً.
ذكروا عن عطاء أنه قال: قدر ما تقصر إليه الصلاة فهو من حاضري المسجد الحرام. وتفسير ذلك أنه يقول: إذا كان من وراء ذلك كانت له المتعة. وقال عطاء: من كان منها على رأس ليلة فهو من حاضري المسجد الحرام.