التفاسير

< >
عرض

لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي ٱلأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ
٢٧٣
ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
٢٧٤
-البقرة

تفسير كتاب الله العزيز

قوله: { لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ } قال الحسن: أحصرهم الفقر وهم أهل تعفف. { يَحْسَبُهُمُ الجَاهِلُ } بفقرهم { أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ } أي بتعففهم، أي فأعطوهم من نفقاتكم.
قال مجاهد: هم مهاجرو قريش بالمدينة مع النبي عليه السلام، أمر الله بالصدقة عليهم.
وقال الكلبي: هم أصحاب صُفّة مسجد النبي عليه السلام، قوم لم تكن لهم مساكن بالمدينة ولا عشائر، وكانوا يلتمسون الرزق بالنهار بالمدينة، ويأوون إلى صفة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن كان عنده فضل أتاهم به إذا أمسوا، وهم الذين أحصروا في سبيل الله.
قال: { تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ } أي: بعلاماتهم { لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً } [أي إلحاحاً] ذكروا عن أبي ذر أنه قال: من كانت له أربعون ثم سأل فقد ألحف، يعني أربعين درهماً: وبعض الفقهاء يقول: إذا كانت له خمسون درهماً لم تحل له الصدقة.
عامة فقهائنا: أبو عبيدة وغيره، يقولون: صاحب الخادم والمسكن والغلام وصاحب المائة والمائتين يعطى من الزكاة إذا كان لا تقوتهم ولا يبلغ ما في يديه قوتهم. وقد يستحب لصاحب المائتين والخادم والمسكن والغلام أن يستعفف عن المسألة وعن الأخذ، وإن أخذ فلا بأس. ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إن المسكين ليس بالطواف الذي ترده التمرة والتمرتان والأكلة والأكلتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غناء يغنيه ولا يسأل الناس إلحافاً" .
قوله: { وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ } من مال { فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ } أي يحفظه لكم حتى يجازيكم به.
قوله: { الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْْوَالَهُم بِالَّيْلِ والنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } أي: في الآخرة { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } أي على الدنيا.
ذكر بعضهم أنها نزلت في علف الخيل.
وذكروا أن هذه الآية لما نزلت
"عمد رجل من فقراء المسلمين إلى أربعة دراهم، لا يملك غيرها، فقال: إن الله يقول: { الذين ينفقون أموالهم باليل والنهار سراً وعلانية }. فتصدّق بدرهم بالليل ودرهم بالنهار، وبدرهم في السر ودرهم في العلانية؛ فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له:أأنت الذي أنفقت درهماً بالليل ودرهماً بالنهار، ودرهماً في السر ودرهماً في العلانية؟ فقال الرجل: الله ورسوله أعلم؛ إن كان الله أطلع رسوله على شيء فهو ما أطلعه عليه؛ فقال له رسول الله: نعم، قد أطلعني الله على فعلك، والذي نفسي بيده ما تركت للخير مطلباً إلا وقد طلبته، ولا من الشر مهرباً إلا وقد هربت منه؛ اذهب فقد أعطاك الله ما طلبت، وآمنك مما تخوفت" .