التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَٰواْ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْبَيْعُ مِثْلُ ٱلرِّبَٰواْ وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَٰواْ فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَٱنْتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى ٱللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
٢٧٥
يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلرِّبَٰواْ وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَٰتِ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ
٢٧٦
إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
٢٧٧
-البقرة

تفسير كتاب الله العزيز

قوله: { الَّذِينَ يأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ }. ذكروا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حدّث عن ليلةِ أسرِيَ به فكان في حديثه أنه أتى على سابلة آل فرعون حيث ينطلق بهم إلى النار، يعرضون عليها غدواً وعشياً؛ فإذا رأوها قالوا: ربنا لا تقومن الساعة، مما يرون من عذاب الله. قال: فإذا أنا برجال بطونهم كالبيوت، يقومون فيقعون لظهورهم ولبطونهم، فيأتي عليهم آل فرعون فيثردونهم بأرجلهم ثرداً. قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء أكلة الربا، ثم تلا هذه الآية: { الَّذِينَ يأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ }.
وقال الحسن: إن لأَِكَلَةِ الربا عَلَماً يعرفون به يوم القيامة أنهم أكلة الربا، يأخذهم خبل؛ فشبه الخبل الذي يأخذهم في الآخرة بالجنون الذي يكون في الدنيا.
وقال مجاهد: { يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ }، يوم القيامة في أكل الربا في الدنيا.
{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا البَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا } هو الذي كانوا يعملون به في الجاهلية؛ إذا حل مال أحدهم على صاحبه قال المطلوب: إن هذا ربا قالوا، لا، سواء علينا زدنا في أول البيع أو عند محل الأجل. فأكذبهم الله فقال: { وَأَحَلَّ اللهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا }.
ذكروا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شرطين في بيع، وعن بيع وسلف، وعن بيع ما ليس عندك، وربح ما لم تضمن.
ذكروا عن الحسن أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر.
وذكروا عن الحسن أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع البسر حتى يحمر، وعن بيع العنب حتى يسود، وعن بيع الحب حتى يبيض.
قوله: { فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ } يعني البيان الذي في القرآن في تحريم الربا { فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ } أي غفر الله له ما سلف.
ذكروا عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"كل ربا في الجاهلية فهو موضوع" .
ذكروا عن عروة بن الزبير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أسلم على شيء فهو له" .
وقال الحسن في قوله: فله ما سلف { وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ }: غفر لَهُ ما سلف من ذلك، ووقع أجره على الله لقبوله الموعظة. وقال السدي: وأمره إلى الله: إن شاء عصمه منه بعد، وإن شاء لم يفعل.
قوله: { وَمَنْ عَادَ } أي ومن عاد فاستحل الربا بعد تحريمه { فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }.
قوله: { يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا } أي: يمحقه يوم القيامة فيبسط له { وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ } لأهلها أي: يضاعفها. [يحيى عن عثمان عن سعيد المقبُري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"والذي نفسي بيده ما تصدق عبد بصدقة فتقع في يد السائل حتى تقع في يد الله، ثم يربّيها لصاحبها كما يربّي أحدكم فَلُوَّه أو فصيله، حتى تصير اللقمة مثل أحد]" . { وَاللهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ }. أثيم لأكله الربا، والكفر أعظم الإثم.
قوله: { إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } يعني ما افترض الله عليهم { وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ } وهما فريضتان واجبتان { لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ } أي الجنة { وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }.