التفاسير

< >
عرض

وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ
٨٣
فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ
٨٤
-الأنبياء

تفسير كتاب الله العزيز

قوله تعالى: { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ } أي: المرض. وقال الحسن: هو كقوله: { أَنِّي مَسَّنِي الشَّيْطَانُ بنُصْبٍ وَعَذَابٍ } [سورة ص: 41].
قال الحسن: إن إبليس قال: يا ربّ، هل من عبيدك عبد إن سلطتني عليه امتنع مني؟ قال: نعم، عبدي أيوب. قال: فسلّطني عليه. قال: فسلّطه عليه ليجهد جهده ويضلّه بخباله وغروره، فامتنع منه. قال إبليس: يا ربّ، إنه قد امتنع مني، فسلّطني على ماله. فسلّطه على ماله فجعل يُهلك ماله صنفاً صنفاً، ويأتيه فيقول له: يا أيوب، هلك مالك في كذا وكذا، فيقول: الحمد لله، اللهم أنت الذي أعطيتني، وأنت الذي أخذته منّي، إن تبق لي نفسي أحمدك على بلائك. فقال إبليس: يا ربّ، إن أيوب لا يبالي بماله، فسلّطني على ولده، [فسلطه الله عليهم] فجعل يهلكهم واحداً واحداً حتى هلكوا جميعاً. فقال إبليس: يا رب، إن أيوب لم يبال بولده، فسلّطني على جسده، فسلّطه الله عليه. فمكث سبع سنين وأشهراً حتى وقعت الأكلة في جسده. وبلغنا أن الدودة كانت تقع من جسده فيردّها في مكانها فيقول: كُلِي مما رزقك الله من لحمي. قال الحسن: فدعا ربه:
{ أَنِّي مَسَّنِي الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } [سورة ص: 41] وقال في هذه الآية: { أَنّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }.
فأوحى الله إليه أن اركض برجلك. فركض برجله ركضة فإذا هو يستطيع القيام، وإذا عين فاغتسل منها، فأذهب الله تبارك وتعالى ظاهر دائه. ثم مشى على رجليه أربعين ذراعاً، ثم قيل له: اركض برجلك أيضاً ركضة، فركض ركضة أخرى [فإذا عين فشرب منها]، فأذهب الله تبارك وتعالى باطن دائه، وردّ عليه أهله وأولاده وأمواله من البقر والغنم والحيوان وكل شيء أهلك بعينه. ثم أبقاه الله فيها حتى وهب الله له من نسولها أمثالها. فهو قوله: { فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَءَاتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ }.
وقال الحسن: إن الله أحيى أولاد أيوب بأعيانهم، وكانوا ماتوا قبل آجالهم، وإن الله أبقاهم حتى أعطاه من نسولهم مثلهم. ثم إن إبليس قال: يا أيوب، وهو يأتيه عياناً، اذبح لي سخلة من غنمك، قال: لا، ولا كفّاً من تراب.
ذكروا عن ابن مسعود أنه كان يقول: لا يبلغ العبد الكفر والإِشراك بالله حتى يصلي لغير الله، أو يدعو غير الله، أو يذبح لغير الله.
ذكروا عن الحسن أنه قال: إن الله تبارك وتعالى يحتج على الناس يوم القيامة بثلاثة من الأنبياء، فيجيء العبد فيقول: رب أعطيتني في الدنيا جمالاً فأعجبت به، ولولا ذلك لعملت بطاعتك، فيقول الله: الجمال الذي أعطيتك في الدنيا أفضل أم الجمال الذي أعطي يوسف؟ فيقول العبد: بل الجمال الذي أعطي يوسف. فيقول الله: إن يوسف كان يعمل بطاعتي فيحتج عليه بذلك. ويأتي العبد فيقول: يا رب، ابتليتني في الدنيا، ولولا ذلك لعملت بطاعتك، فيقول البلاء: أالبلاء الذي ابتليت به في الدنيا أشد أم البلاء الذي ابتلي به أيوب؟ فيقول العبد: بل البلاء الذي ابتلي به أيوب. فيقول الله: قد كان أيوب يعمل بطاعتي، فيحتج عليه بذلك. ويجيء العبد فيقول: يا رب، أعطيتني ملكاً في الدنيا فأعجبت به، ولولا ذلك لعملت بطاعتك، فيقول الله تبارك وتعالى: أالملك الذي أعطيتك في الدنيا أفضل أم الملك الذي أعطي سليمان بن داوود؟ فيقول العبد: بل الملك الذي أعطي سليمان بن داوود. فيقول الله: قد كان سليمان يعمل بطاعتي، فيحتج عليه بذلك.
ذكر الحسن أن أيوب لم يبلغه شيء يقوله الناس كان أشد عليه من قولهم: لو كان نبيّاً ما ابتلي بالذي ابتلي به. فدعا الله فقال: اللهمّ إنك تعلم أني لم أعمل حسنة في العلانية إلا عملت مثلها في السرّ، فاكشف ما بي من الضر، وأنت أرحم الراحمين. فاستجاب الله له، فوقع ساجداً، وأمطر عليه فراش الذهب، فجعل يلتقطه ويجمعه.
قوله عز وجل: { رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى للْعَابِدِينَ } أي أن الذي كان ابتلي به أيوب لم يكن من هوانه على الله، ولكن أراد الله كرامته بذلك. وجعل ذلك عزاء للعابدين بعده فيما يبتلون به. وهو قوله عزّ وجل: { وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ }.