التفاسير

< >
عرض

وَٱقْتَرَبَ ٱلْوَعْدُ ٱلْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يٰوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ
٩٧
إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ
٩٨
-الأنبياء

تفسير كتاب الله العزيز

قوله عزّ وجلّ: { وَاقْتَرَبَ الوَعْدُ الحَقُّ } أي: النفخة الآخرة { فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الذِينَ كَفَرُوا } أي إلى إجابة الداعي إلى بيت المقدس. { يَاوَيْلَنا } أي يقولون: يا ويلنا { قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا } يعني تكذيبهم بالساعة { بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ } أي: لأنفسنا.
قوله عز وجل: { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } أي: يُحصَب بهم فيها { أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } أي: داخلون في تفسير الحسن يعني الشياطين الذين دعوهم إلى عبادة الأوثان، لأنهم بعبادتهم الأوثان عابدون للشياطين، وهو قوله عزّ وجل:
{ أَلَم أعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ } [يس: 60].
قال الكلبي:
"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام مقابل باب الكعبة ثم قرأ هذه الآية، فوجد منها أهل مكة وجداً شديداً. فقال ابن الزّبعرى: أرأيت هذه الآية التي قرأت آنفاً، أفينا وفي آلهتنا خاصة أم في الأمم وفي آلهتهم معنا؟ قال: لا، بل فيكم وفي آلهتكم، وفي الأمم وآلهتهم. فقال: خصمتك وربّ الكعبة. قد علمت أن النصارى يعبدون عيسى وأمّه، وأن طائفة من الناس يعبدون الملائكة. أفليس هؤلاء مع آلهتنا في النار؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وضحكت قريش وضجّوا" . فذلك قول الله عزّ وجلّ: { وَلَمَّا ضُربَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ } [الزخرف: 57] أي: يضحكون { وَقَالُوا } يعني قريشاً: { أآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ } [الزخرف: 58]. وقال ها هنا في هذه الآية وفي جواب قولهم: { إِنَّ الذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } يعني عيسى والملائكة.
وقال بعضهم: إن اليهود قالت: ألستم تزعمون أن عزيراً في الجنة وأن عيسى في الجنة؟ وقد عُبِدا من دون الله. فأنزل الله: { إِنَّ الذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ }. فعيسى وعزير ممن سبقت لهم الحسنى، وما عبدوا من الحجارة والخشب والجن وعبادة بعضهم بعضاً وكل ما عبدوا، حصب جهنم.
ذكروا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"الشمس والقمر ثوران عقيران في النار
"
. وقال بعضهم: ألستم تقرأون: { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } قال: أظنهم يمثلان لمن عبدهما في النار، يوبَّخُون بذلك.
وفي كتاب الله عز وجل: إن الشمس والقمر يسجدان لله، وهو قوله عز وجل:
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالقَمَرُ } [الحج: 18].
ذكروا عن عبد الله بن عمر قال: إن الشمس تطلع من حيث يطلع الفجر، وتغرب من حيث يغرب الفجر. فإذا أرادت أن تطلع تقاعست حتى تضرب بالعمد، وتقول: يا رب إني إذا طلعت عُبِدت دونك، فتطلع على ولد آدم كلهم، فتجري إلى المغرب، فتسلّم، ويرد عليها، وتسجد فينظر إليها، ثم تستأذن فيؤذن لها حتى تأتي بالمشرق، والقمر كذلك، حتى يأتي عليها يوم تغرب فيه، فتسلّم فلا يُرَدّ عليها، فتسجد فلا ينظر إليها، ثم تستأذن فلا يؤذن لها. فتقول: يا ربّ إن المشرق بعيد ولا أبلغه إلا بجهد، فتحبس فلا يؤذن لها، ثم يقال لهما: ارجعا من حيث جئتما، فيطلعان من المغرب كالبعيرين المقرونين، وهو قوله عز وجل:
{ { هَلْ يَنظُرُونَ إِلآ أَنْ تَأتِيَهُمُ المَلآئِكَةُ } أي بالموت { { أَوْ يَأتِيَ رَبُّكَ } أي بأمره { أَوْ يَأتِيَ بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأتِي بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً } [الأنعام: 158] وهو طلوع الشمس من المغرب.