التفاسير

< >
عرض

فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ٱرْجِعُواْ فَٱرْجِعُواْ هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ
٢٨
لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ
٢٩
قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ
٣٠
وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَآئِهِنَّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِيۤ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَآئِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ ٱلتَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي ٱلإِرْبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ أَوِ ٱلطِّفْلِ ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىٰ عَوْرَاتِ ٱلنِّسَآءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
٣١
-النور

تفسير كتاب الله العزيز

قوله: { فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَآ أَحَداً } يعني البيوت المسكونة { فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا }. قال بعضهم: أي: لا تقف على باب قوم ردّوك عن بيتهم، فإن للناس حاجات، ولهم أشغال. قال: { هُوَ أَزْكَى لَكُمْ } أي: خير لكم { وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ }.
قوله: { لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ } أي: حرج، أي: إثم. { أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ } يعني الخانات، وهي الفنادق { فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ } أي: ينزلها الرّجلُ في سفره فيجعل فيها متاعَه، فليس عليه أن يستأذن في ذلك البيت لأنه ليس له أهل يسكنونه. [وقال السّديّ: { فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ }: منافع لكم من الحرّ والبرد]. { وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ } أي: ما تعلنون { وَمَا تَكْتُمُونَ } أي: ما تسِرّون في قلوبكم.
قوله: { قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ } [يعني يغضوا أبصارهم عن جميع المعاصي. { مِنْ } ها هنا صلة]. وقال بعضهم: أي: عما لا يحل لهم من النظر.
ذكروا عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير البجلي عن أبيه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النظرة فجأة فقال:
"غُضَّ بصرك" .
قوله: { وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ } أي: عما لا يحل لهم. وهذه الآية في الأحرار والمملوكين. { ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } أي: بما يفعلون.
قوله: { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ } أي: يغضضن أبصارهن عما لا يحل لهنّ من النظر. وهذه في الحرائر والإِماء.
قوله: { وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا }. قال بعضهم: { إلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا } الثياب. وكذلك قال الحسن. ذكروا عن مجاهد عن ابن عباس قال: ما ظهر منها: الكحل والخاتَم.
ذكروا عن عائشة أنها سئلت عن الزينة الظاهرة فقالت: القُلْب، تعني السِّوار، والفَتَخة، تعني الخاتَم الذي لا فصّ له. وقالت بثوبها على كوعها فسترته.
قالت العلماء: هذه الآية في الحرائر؛ وأما الإِماء فإن عمر بن الخطاب رأى أمة عليها قِناع فعلاها بالدّرّة وقال: اكشفي عن رأسك لا تتشبّهي بالحرائر.
ذكروا عن أنس بن مالك قال: كُنّ جواري عمر يخدمننا كاشفاتٍ رؤوسهن تضطرب ثديّهن، بادية خِدامهن.
قوله: { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } أي: تسدل الخمار على جيبها، وهو نحرها. { وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ } وهذه الزينة الباطنة؛ وهما زينتان، زينة ظاهرة، وقد فسّرناها، وزينة باطنة وسنفسرها إن شاء الله. { إلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ } أي: أزواجهن { أَو ءَابَآءِ بُعُولَتِهِنَّ } أي: آباء أزواجهن. { أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوِ إخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَآئِهِنَّ } المسلمات اللاتي يرين منها ما يراه ذو المحرم؛ ولا ترى ذلك منها اليهودية ولا النصرانية. { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ }.
فهذه ثلاث حرم بعضها أعظم من بعض. منهن الزوج الذي يحلُّ له كل شيء منها؛ فهذه حرمة ليست لغيره.
ومنهم الأب والابن، والأخ والعم والخال وابن الأخ وابن الأخت، والرضاع في هذا بمنزلة النسب. فلا يحل لهؤلاء في تفسير الحسن أن ينظروا إلى الشعَر والصدر والساق وأشباه ذلك.
[وقال الحسن: لا تضع المرأة خمارها عند أبيها ولا ابنها ولا أخيها] وقال ابن عباس: ينظرون إلى موضع القرطين والقلائد والسوارين والخلخالين. فهذه الزينة الباطنة.
وحرمة أخرى، وهي الثالثة؛ منهم أبو الزوج وابن الزوج والتابع الذي قال الله: { غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ } أي: غير أولي الحاجة إلى النساء. وهم قوم كانوا في المدينة فقراء، طُبِعُوا على غير شهوة النساء. وقال بعضهم: هو الرجل الأحمق الذي لا تشتهيه المرأة ولا يغار عليه الرجل. وقال الحسن: هو الرجل يتبع الرجل يخدمه بطعام بطنه.
ومملوك المرأة، لا بأس أن تقوم بين يدي هؤلاء في درع صفيق، وخمار صفيق بغير جلباب.
ذكروا أن عمر بن الخطاب قال: لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم منها.
ذكروا أن عمر بن الخطاب قال: لا تخلو المرأة مع الرجل إلا أن يكون محرماً، وإن قيل حموها، إنما حموها الموت.
وقال بعضهم: لا تضع المرأة خمارها عند مملوكها، فإن فاجأها فلا بأس. وبعضهم يقول: { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } يعني الإِماء وليس العبيد.
[ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: لا تضع المرأة خمارها عند عبد سيدها].
قوله: { أَوِ الطِّفْلِ الذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَآءِ } أي: الذين لم يبلغوا الحلم أو النكاح.
قوله: { وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَم مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ } وكانت المرأة تضرب برجلها إذا مرت بالمجلس لتسمع قعقعة خلخالها. وقال بعضهم: تضرب إحدى رجليها بالأخرى حتى تسمع صوت الخلخالين؛ فنهين عن ذلك.
قوله: { وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَ المُؤمِنُونَ } من ذنوبكم هذه { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } أي: لكي تفلحوا فتدخلوا الجنة.