التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ
١٥٢
إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَىٰ أحَدٍ وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِيۤ أُخْرَٰكُمْ فَأَثَـٰبَكُمْ غَمّاً بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَآ أَصَـٰبَكُمْ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
١٥٣
-آل عمران

تفسير كتاب الله العزيز

قوله: { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ } أي إذ تقتلونهم بإذنه في تفسير الحسن ومجاهد وغيره. { حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ }. قال بعضهم: جبنتم { وَتَنَازَعْتُمْ } أي اختلفتم { فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ }.
ذلك يوم أحد؛ عهد إليهم نبي الله عهداً، وأمرهم بأمر، فنسوا العهد. يعني قول النبي لهم: فإن هزمتموهم فلا تتبعوا المدبرين.
وقال بعضهم: خالفوا إلى غير ما أمرهم به فصرف عنهم عدوهم بعد ما أراهم ما يحبون فيهم.
وقال مجاهد: نصر الله المؤمنين يومئذ على عدوهم من المشركين حتى ركب نساء المشركين على كل صعب وذلول، بادية سوقهن، ثم أديل عليهم المشركون بمعصيتهم النبي حتى خطبهم على بغلته الشهباء وقال: ربّ اكفنيهم بما شئت.
قوله: { حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ }... الآية. قال الحسن: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"رأيت البارحة كأن علي درعاً حصينة فأوّلتها المدينة، فاكمنوا للمشركين في أزقتها حتى يدخلوا عليكم في أزقتها فتقتلوهم. فأبت الأنصار من ذلك فقالوا: يا رسول الله، منعنا مدينتنا من تبّع والجنود، فنخلي بين هؤلاء المشركين وبينها يدخلونها. فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم سلاحه. فلما خرجوا من عنده أقبل بعضهم على بعض فقالوا: ما صنعنا؟ أشار علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرددنا رأيه. فأتوه فقالوا: يا رسول الله، نحن نكمن لهم في أزقتها حتى يدخلوها فنقتلهم فيها؛ فقال: إنه ليس لنبي لبس لامته، أي سلاحه، أن يضعها حتى يقاتل. قال: فبات رسول الله دونهم بليلة، فرأى رؤيا، فأصبح فقال: إني رأيت البارحة كأن بقراً منحّراً، فقلت بقر والله خير؛ وإنها كائنة فيكم مصيبة، وإنكم ستلقونهم غداً وتهزمونهم، فإذا هزمتموهم فلا تتبعوا المدبرين. ففعلوا؛ فلقوهم فهزموهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فاتبعوهم على وجهين؛ أما بعضهم فقالوا: مشركون وقد أمكننا الله من أدبارهم فنقتلهم، فقتلوهم على وجه الحِسبة. وأما بعضهم فقتلوهم لطلب الغنيمة. فرجع المشركون عليهم فهزموهم حتى صعدوا أحداً" . وهي قوله: { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ } لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنكم ستلقونهم فتهزمونهم فلا تتبعوا المدبرين" .
قال: حتى إذا فشلتم أي: ضعفتم في أمر رسول الله، وتنازعتم أي: اختلفتم فصرتم فريقين تقاتلونهم على وجهين، وعصيتم الرسول من بعد ما أراكم ما تحبّون من النصر على عدوّكم.
قال: { مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا } قد فسّرناه قبل هذا ونرجع فيه؛ يقول: من يريد الدنيا فهي الغنيمة. { وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ } الجنة والثواب { ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ } إذ لم يستأصلكم { وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ تُصْعِدُونَ } الجبل. أي أُحُداً { وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ } جعل يقول: إليّ عباد الله! حتى خصَّ الأنصار فقال: يا أنصار الله! إلي، أنا رسول الله. فتراجعت الأنصار والمؤمنين.
قال: { فَأَثَابَكُمْ غَمّاً بِغَمٍّ } بما قتلوا من إخوانكم من فوق الجبل بالغم الذي أصابهم يوم بدر.
قال الكلبي: هو إشراف خالد بن الوليد عليهم من فوق الجبل. وقال بعضهم: إِذْ تُصْعِدُونَ: صعدوا في الوادي فرأوا نبي الله يدعوهم: إلي عباد الله، إلي عباد الله. [كانوا تحدثوا يومئذ أن نبي الله أصيب]. وكان الهمّ الآخر قتل أصحابهم والجراحات التي فيها. قال: وذكر لنا أنه قتل يومئذ سبعون رجلاً: ستة وستون من الأنصار، وأربعة من المهاجرين.
قوله: { لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ } من الغنيمة { وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ } من قتل إخوانكم، إنما همّ كل رجل منكم بقتله في تفسير الحسن. وقال غيره: وما أصابكم في أنفسكم من القتل والجراح. قال: { وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }.