قوله: { وَدَّت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ } يعني من لم يؤمن منهم { لَوْ
يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ } أي بما يودّون من ذلك، لأن الذي يودّون من
ذلك ضلال وكفر { وَمَا يَشْعُرُونَ }.
ثم أقبل عليهم فقال: { يَا أَهْلَ الكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَأَنتُمْ
تَشْهَدُونَ } أي أنها آيات الله وأنه رسوله، يعني بذلك خاصة علمائهم. وقال
بعضهم: وهم يشهدون أن نعت محمد في كتابهم، ثم يكفرون به وينكرونه.
قال الحسن: ثم قال: { يَا أَهْلَ الكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ } أي لِمَ تخلطون
{ الحَقَّ بِالْبَاطِلِ } أي تلبسون الإِسلام باليهودية والنصرانية في تفسير الحسن
وغيره، وذلك لما حرفوا من التوراة والإِنجيل بالباطل الذي قبلوه عن الشيطان.
{ وَتَكْتُمُونَ الحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } قال الحسن: تعلمون أن محمداً رسول الله وأن
دينه حق. وقال غيره: كتموا محمداً وهم يجدونه مكتوباً عندهم.
قوله: { وَقَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ءَامِنُوا بِالَّذِي أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ ءَامَنُوا
وَجْهَ النَّهَارِ } أي آمنوا بمحمد وجه النهار { وَاكْفُرُوا ءَاخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }.
قال الكلبي: كتبت يهودُ خيبرَ إلى يهود المدينة أن آمنوا بمحمّد أوّل النهار
واكفروا آخره، أي: واجحدوا آخره، ولَبِّسوا على ضَعَفَة أصحابه حتى تشكِّكوهم
في دينهم، فإنهم لا علم لهم، ولا دراسة يدرسونها، لعلّهم يرجعون عن محمد
وعمّا جاء به.
وقال مجاهد: صلّت اليهود مع النبي أول النهار صلاة الصبح، وكفرت
آخره، مكراً منهم، ليرى الناس أنه قد بدت لهم [منه] الضلالة بعد أن كانوا
اتبعوه.
وقال بعضهم: وجه النهار: أول النهار، صلاة الصبح. لعلهم يرجعون؛
أي: يَدَعون دينهم ويرجعون إلى الذين أنتم عليه.