التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَاءَ ٱلْفِتْنَةِ وَٱبْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ
٧
رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْوَهَّابُ
٨
رَبَّنَآ إِنَّكَ جَامِعُ ٱلنَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ
٩
إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَأُولَـٰئِكَ هُمْ وَقُودُ ٱلنَّارِ
١٠
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
١١
-آل عمران

تفسير كتاب الله العزيز

قوله: { هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ ءَايَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } قال بعضهم: المحكم هو الناسخ الذي يعمل به، فأحلّ الله فيه حلاله وحرّم حرامه، والمتشابه هو المنسوخ الذي لا يُعمل به ويُؤمَن به. وتفسير الكلبي: هو الۤمۤ، والۤر، الۤمۤر، والۤمۤصۤ، وأشباه ذلك.
وبلغنا عن أبي حازم عن ابن عباس قال: هو التقديم والتأخير، والمقطوع والموصول، والخاص والعام، وتفسير مجاهد: { هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ }، يعني ما فيه من الحلال والحرام، وما سوى ذلك فهو المتشابه.
قوله: { فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ } والزيغ: الشك. وتفسير الكلبي أنها في النفر من اليهود الذين دخلوا على النبي عليه السلام: كعب بن الأشرف وأصحابه. وقد فسّرنا ذلك في سورة البقرة.
ذكروا عن عائشة أنها قالت:
"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية فقال:قد سمّاهم الله لكم؛ فإذا رأيتموهم فاحذروهم" .
ذكروا عن ابن عباس أنه قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية فقال: "أرأيتم الذين يجادلون فيه، فهم الذين سمّى الله؛ فإذا رأيتموهم فلا تجالسوهم، أو قال: فاحذروهم" .
قوله: { ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا }. كان الكلبي يقول: { ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ } أي: ابتغاء الشرك يعني أولئك اليهود. وقال الحسن: { ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ } أي: ابتغاء الضلالة، { وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ }، أي ابتغاء الحرابة. وقال الكلبي: هو ما نظر فيه أولئك اليهود من ألم وأشباه ذلك، وكانوا حملوه على حساب الجمل، حساب بقاء هذه الأمة ـ زعموا ـ حين التبس عليهم، قال: { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ } أي: تأويل ما كتب الله لهذه الأمة من الأكل، { إِلاَّ اللهُ }، فقال عند ذلك عبد الله بن سلام والنفر الذين أسلموا من اليهود، وهم الراسخون في العلم: { ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا }. هذا تفسير الكلبي.
وبلغنا عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: أنزل القرآن على أربعة أوجه: حلال وحرام لا يسع الناسَ جهلُهُ، وتفسير يعلمه العلماء، وعربية يعرفها العرب، وتأويل لا يعلمه إلا الله، يقول الراسخون في العلم: آمنا به كل من عند ربنا. ذكر بعض المفسّرين قال: نزل القرآن على ستّ آيات: آية مبشّرة، وآية منذرة، وآية فريضة، وآية تأمرك، وآية تنهاك، وآية قصص وأخبار.
قوله: { وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ } أي أولو العقول، وهم المؤمنون.
قوله: { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الوَهَّابُ }. قال الحسن: هذا دعاء أمر الله المؤمنين أن يدعوا به. وقال الكلبي: هم النفر الذين أسلموا من اليهود: عبد الله بن سلام وأصحابه. وقد فسّرناه في الآية الأولى من تفسير الكلبي.
قوله: { رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَ رَيْبَ فِيهِ }. ذكروا عن ابن مسعود أنه قال: ليوم لا شك فيه، وهو يوم القيامة: { إنَّ اللهَ لاَ يُخْلِفُ المِيعَادَ }.
قوله: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ } أي لن تنفعهم { أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللهِ شَيْئاً وَأُوْلَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ } أي: حطب النار. هو مثل قوله:
{ يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ } [الشعراء:88].
قوله: { كَدَأْبِ ءَالِ فِرْعَوْنَ } الدأب: العادة والحال. { وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللهُ شَدِيدُ العِقَابِ } يعني ما أهلك به الأمم السالفة حين كذبوا رسلهم.
وقال بعضهم: { كَدَأْبِ ءَالِ فِرْعَوْنَ }، أي: كفعل آل فرعون والذين من قبلهم. وقال الحسن: هذا مثل ضربه الله لمشركي العرب؛ يقول: كفروا وصنعوا كصنيع آل فرعون { وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } من الكفار { كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ }، وهو عذابه أتاهم حين كذبوا رسله.