التفاسير

< >
عرض

أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ
٣٥
وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُواْ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ
٣٦
أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
٣٧
فَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
٣٨
وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ ٱللَّهِ وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ
٣٩
-الروم

تفسير كتاب الله العزيز

قال الله عزَّ وجل: { أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً } أي: حجّة { فَهُوَ يَتَكَلَّمُ } أي: فذلك السلطان يتكلّم، وهي الحجّة { بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ } وهذا استفهام، أي: لم ينزل عليهم حجّة بذلك، أي: لم يأمرهم أن يشركوا.
قوله: { وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً } أي: عافية وسعة { فَرِحُوا بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ } أي: شدة وعقوبة { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ } أي: ييأسون من أن يصيبهم رخاء بعد تلك الشدة: يعني المشركين.
قوله: { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ } أي: يوسّعه عليهم { وَيَقْدِرُ } أي: ويقتر عليه { إِنَّ فِي ذَلِكَ لأَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }.
قوله: { فَئَاتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ وَالمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ } قال الحسن: بعض هذه الآية تطوّع، وبعضها مفروض؛ فأما قوله: { فَئَاتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ } فَهُوَ تَطَوُّعٌ، وهو ما أمر الله به من صلة القرابة، وأما قوله: { وَالمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ } فيعني الزكاة.
قال بعضهم: حدثونا أن الزكاة فرضت بمكة، ولكن لم تكن شيئاً معلوماً.
وقال الكلبي في تفسير هذه الآية: أن يصل ذا القربى، ويطعم المسكين، ويحسن إلى ابن السبيل، وهو الضيف.
قال: { ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ }.
قوله: { وَمَآ ءَاتَيْتُم مِّن رِّباً لِّيَرْبُوا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلاَ يَرْبُوا عِندَ اللهِ } ذكروا عن الضحاك بن مزاحم قال: تلك الهديّة تهديها لِيُهدَى إليك خير منها، ليس لك فيها أجر، وليس عليك فيها وزر، وقد نهى عنها النبي عليه السلام، فقال:
{ وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ } [المدثر: 6].
ذكر عبد الرحمن الأعرج أنه سمع ابن عباس يقرأها: لتُربوا، وبعضهم يقرأها: ليربوَ، أي: ليربوَ ذلك الربا الذي يُربون، والربا: الزيادة، أي: تُهدون إلى الناس ليُهدوا لكم أكثر منه.
وذكروا أن النبي عليه السلام قال:
"الهديّة رزق الله، فمن أهدى إليه شيء فليقبله، وليُعط خيراً منه
"
. ذكروا عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يردّن أحدكم على أخيه هديتَه وَلْيُهْدِ له كما أهدى له
"
. ذكروا عن أبي عبيدة أنه قال: ترك المكافأة من التطفيف؛ يعني مكافأة من أهدى.
قال بعضهم: هذا ملاطفة تجري بين الإِخوان والأخوات والجيران. وقد رأينا الناس يلاطفون فقهاءهم وعلماءهم ويهدون لهم، يرجون بذلك مودتهم وتعظيمهم وتشريفهم، ولا يطلبون بذلك منهم مكافأة، ويقبل منهم علماؤهم وفقهاؤهم، ويرون ذلك من مكارم الأخلاق، ومن سَنِيِّ الفِعال، ويرون ردّ ذلك على إخوانهم الذين طلبوا ملاطفتهم، وإدخال الرفق عليهم كسراً لهم، وإزراء بهم، وعيباً عليهم. وإنما يكره قبول الهدايا للأمراء والوزراء، والقضاة والعمال، لأن قبول الهدايا لهؤلاء رشىً في الأحكام؛ فأما من سواهم ممن ليس بأمير ولا وزير، ولا قاض ولا عامل، فلا بأس بقبول الهدية لهم، بل هو حسن جميل، يثبت المودّة، ويذهب الضغائن والغلّ.
قوله: { وَمَآ ءَاتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ } أي: تريدون بها الله { فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُضْعِفُونَ } أي: الذين تضاعف لهم الحسنات.