التفاسير

< >
عرض

قُلْ مَن ذَا ٱلَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوۤءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً
١٧
قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَٱلْقَآئِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ ٱلْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً
١٨
أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَآءَ ٱلْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ ٱلْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى ٱلْخَيْرِ أوْلَـٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ فَأَحْبَطَ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً
١٩
-الأحزاب

تفسير كتاب الله العزيز

قال: { قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللهِ } أي: يمنعكم من الله { إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً } أي: عذاباً. [وقال بعضهم: القتل أو الهزيمة] { أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً } أي: توبة، يعني المنافقين. كقوله: { وَيُعَذِّبَ المُنَافِقِينَ إِن شَآءَ } أي: الذين يَموتون على نفاقهم فيعذبهم { أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } [الأحزاب: 24] أي: أو يمن عليهم بالرجعة فيرجعون عن نفاقهم. [وقال بعضهم: النصر والفتح] قال: { وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللهِ وَلِيّاً } أي: يتولاهم فيدفع العذاب عنهم { وَلاَ نَصِيراً } أي: ينصرهم مما ينزل بهم من العذاب.
قوله: { قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ } أي: يعوّق بعضهم بعضاً، أي: إذ يأمر بعضهم بعضاً بالفرار { وَالْقَآئِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا } أي: يأمر بعضهم بعضاً بالفرار. { وَلاَ يَأْتُونَ البَأْسَ } أي: القتال { إِلاَّ قَلِيلاً } وإنما قل لأنه إنما كان لغير الله، أي: إنما فعلوه رياء وسمعة، ولم تكن لهم فيه حسبة ولا نية. وهو كقوله:
{ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً } [النساء: 142] إلا التوحيد الذي كان منهم، وهو قليل إذ لم يكملوه بالعمل الصالح. [قال: { أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ } أي: لا يتركون لكم من حقوقهم من الغنيمة شيئاً].
رجع الكلام إلى أول القتال قبل أن تكون الغنيمة قال: { فَإِذَا جَآءَ الْخَوْفُ } يعني القتال { رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ } أي: خوفًا من القتال. { فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ } أي: فإذا ذهب القتال { سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ } أي: صاحوا عليكم. والسلق: الصّياح { أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ } أي: على الغنيمة.
قال الله: { أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا } أي: لم يؤمنوا فيكملوا الإِيمان بالتقوى؛ كقوله:
{ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا ءَامَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ } [المائدة: 41]، أي: أقروا بألسنتهم ولم تكن قلوبهم تصبر على العمل بما أقروا به بألسنتهم.
قال: { فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمَالَهُمْ } أي: أبطل حسناتهم لأنهم فعلوا ما فعلوا رياء وسمعة بغير نيّة ولا حسبة.
وقال بعضهم: { أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ } أي: على القتال، أي: لا يقاتلون فيرغبون في الجهاد، ويحتسبون فيه ما يحتسب المؤمن.
وتفسير الكلبي أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لما مسَّهم الحصر والبلاء في الخندق رجع إلى أهله ليُصيب طعاماً أو إداماً، فوجد أخاه يتغدّى تمراً. فدعاه، فقال أخوه المؤمن: قد بخِلت عليَّ وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسك، فلا حاجة لي في طعامك.