التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ بَلْ مَكْرُ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَجَعَلْنَا ٱلأَغْلاَلَ فِيۤ أَعْنَاقِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٣٣
وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ
٣٤
وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ
٣٥
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
٣٦
وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ بِٱلَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَزَآءُ ٱلضِّعْفِ بِمَا عَمِلُواْ وَهُمْ فِي ٱلْغُرُفَاتِ آمِنُونَ
٣٧
-سبأ

تفسير كتاب الله العزيز

{ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ } أي: بل مكركم بالليل والنهار، أي: كيدكم وكفركم في تفسير الحسن. وتفسير الكلبي: { بَلْ مَكْرُ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ } أي: بل قولكم لنا بالليل والنهار { إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً } أي: أعدالاً، يعني أوثانهم، عدلوها بالله فعبدوها من دونه.
قال الله: { وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ } في أنفسهم يوم القيامة { لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأَغْلاَلَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ } على الاستفهام { إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } أي: إنهم لا يجزون إلا ما كانوا يعملون.
قوله عزّ وجل: { وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ } أي: من نبيٍّ ينذرهم عذاب الدنيا وعذاب الآخرة { إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ } أي: جبابرتها وعظماؤها، في تفسير بعضهم. والمترفون أهل السَّعة والنَّعمة { إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ } فاتَّبَعَهم على ذلك السفلة فجحدوا كلهم.
{ وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً } قالوا ذلك للأنبياء والمؤمنين، أي: يعيّرونهم بالفقر وبقلّة المال { وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ }.
قال الله: { قُلْ } يا محمد { إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ } أي: يوسّع الرزق لمن يشاء { وَيَقْدِرُ } أي: ويقتّر عليه الرزق. فأما المؤمن فذلك نظر من الله له. قال: { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } يعني جماعة المشركين لا يعلمون.
قال: { وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلآ أَوْلاَدُكُم } يقوله للمشركين { بِالَّتِى تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى } والزلفى القربة، لقولهم للأنبياء والمؤمنين: نحن أكثر أموالاً وأولاداً منكم.
ذكروا عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وإلى أعمالكم
"
. قال: { إِلاَّ مَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ } في إيمانه { صَالِحاً } [أي: ليس القربة عندنا إلا لمن آمن وعمل صالحاً]. قال: { فَأُوْلَئِكَ } أي: الذين هذه صفتهم { لَهُمْ جَزَآءُ الضِّعْفِ } أي: تضعيف الحسنات. كقوله: { مَن جَآءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } [الأنعام: 160] ثم أنزل بعد ذلك في المدينة: { مَّثَلُ الّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ } [البقرة: 261] ثم صارت بعد في الأعمال الصالحة كلها، الواحدة بسبعمائة.
ذكروا عن الحسن وغيره عن عبد الله بن مسعود أنه قال: لأن أعلم أنه تُقُبِّلَت مني تسبيحة واحدة أحب إليّ من الدنيا وما فيها.
قال بعضهم: بلغني عن سعيد بن جبير أنه قال: من كتب الله له حسنة دخل الجنة، و
{ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِينَ } [المائدة: 27].
قال تعالى: { وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ } أي: في غرفات الجنة { ءَامِنُونَ } أي: آمنون من النار ومن الموت ومن الخروج منها ومن الأحزان ومن الأسقام والأمراض.