التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ يَشْتَرُونَ ٱلضَّلَٰلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ ٱلسَّبِيلَ
٤٤
وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَلِيّاً وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ نَصِيراً
٤٥
مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَٰعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي ٱلدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَٱسْمَعْ وَٱنْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً
٤٦
-النساء

تفسير كتاب الله العزيز

قوله: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِّنَ الكِتَابِ } يعني اليهود { يَشْتَرُونَ الضّلاَلَةَ } أي يختارون الضلالة، في تفسير الحسن. وقال غيره يستحبون الضلالة على الهدى، حرَّفوا كتاب الله. { وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّوا السَّبِيلَ } يعني محمداً وأصحابه. وذلك أنهم دعوهم إلى دينهم. { وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ } يعني اليهود، وهو كقوله: { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا اليَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا } [المائدة: 82] قال: { وَكَفَى بِاللهِ وَلِيّاً وَكَفَى بِاللهِ نَصِيراً }.
قوله: { مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ }. قال مجاهد: تبديل اليهود التوراة. وقال الحسن: تحريفهم؛ حرَّفوا كلام الله، وهو الذي وضعوا من قِبَل أنفسهم من الكتاب، ثم ادَّعوا أنه من كتاب الله. قال:
{ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللهِ } [البقرة:79].
قوله: { وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ } وهم اليهود. قال الكلبي: { غَيْرَ مُسْمَعٍ } أي: لا سمعت. وقال الحسن: غير مسمع منا ما تحب. وقال مجاهد: { سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا } أي: سمعنا ما تقول ولا نطيعك. { وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ } أي: غير مقبول ما تقول.
قوله: { وَرَاعِنَا } قال الكلبي: يلوي لسانه بالسبّ. وقد فسّرناه في سورة البقرة. وقال الحسن: (رَاعِنَا): السخريّ من القول: { لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ } يعني ما يلوون به ألسنتهم من كتمانهم محمداً والإِسلام. وقال مجاهد: كان أحدهم يقول: ارعني سمعك، يلوي بذلك لسانه. قال: { وَطَعْناً فِي الدِّينِ } أي في الإِسلام.
قوله: { وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا } حتى نتفهم { لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ } لأمرهم. { وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً }.
قال بعضهم: قلَّ من آمن من اليهود. ذكر محمد بن سيرين قال: ما نعلم أحداً من اليهود أسلم على عهد النبي محمد عليه السلام غير عبد الله بن سلام، والحسن يذكر آخر، ما أدري من هو.
ذكروا عن رفاعة القرظي في قوله:
{ الذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ } [القصص:52] قال: نزلت في عشرة ممن أسلم من اليهود أنا أحدهم.
ذكر أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لو آمن بي واتبعني وصدقني عشرة من اليهود لم يبق على ظهرها يهودي إلا اتبعني" . فقال كعب: اثنا عشر. وفي حديث الحسن: عشرة. ومصداق ذلك في كتاب الله: { وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِّنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً } [المائدة:12]. وقال بعض العلماء: إن لم يكن قال هذا النبي بعدما أسلم الاثنان اللذان قال محمد بن سيرين فما أدري ما هو.