التفاسير

< >
عرض

أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ
٥٠
وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ
٥١
-الشورى

تفسير كتاب الله العزيز

قوله: { أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا } [أي: يخلط بينهم] يعني من يشاء، فيهب له ذكراناً، أي غلماناً، وإناثاً، أي: جواري { وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا } أي: لا يولد له { إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ }.
قوله: { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ } [فكان موسى ممن كلمه الله من وراء حجاب].
ذكر جماعة من العلماء أن الحجاب بيّن، والوحي منه وحي بإرسال ووحي بإلهام؛ وذلك قول الله:
{ وَأَوْحَيْنَآ إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ } [القصص:7] فهذا وحي إلهام، وكذلك: { وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ } [النحل:68] أي: ألهم ربك النحل. والوحي إرسال. الذي أوحى الله تبارك وتعالى إلى أنبيائه مع الروح الأمين؛ فربما ظهر للرسول جبريل، وربما جاء بالوحي يُسمعه إياه ولا يراه. وهو قوله: إلا وحياً إلهاماً، أو من وراء حجاب. جبريل احتجب عن محمد عليه السلام غير مرة، فربما ظهر له وربما ناداه فلم يره محمد فهو قوله: { أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ }.
حدثنا أبو داود عن عطاء بن السايب عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب أنه مرّ بالقصابين فسمع أحدهم يقول: والذي احتجب عن خلقه بسبع طبقات، فعلاه بالدرة وقال له: تب، إن الله أقرب إليه من حبل الوريد. قال القصّاب، أفلا أكفّر بشيء؟ قال: لا، لأنك حلفت بغير الله.
وحدثنا أبو عبد الرحمن البصري عن يوسف أبي الفضل عن إسحاق الهمداني عن الحارث، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه بنحو ذلك إلا أنه قال: أخطأت، ثكلتك أمك، إن رب العالمين ليس بينه وبين خلقه حجاب، لأنه معهم أين ما كانوا. فقال: ما كفارة ما قلت؟ قال: أن تعلم أنه معك أين ما كنت؛ فالمتكلم الله على لسان جبريل، والمحتجب جبريل.
وقوله: { أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً } تكرير في القول سبحانه. كقوله:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [الحج:77]. وفعل الخير عبادته، وكرّر الكلام عز وجل.
قال: { فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء } يعني جبريل، يرسله إلى من يشاء من رسله، فيوحي إليهم معه ما يشاء. { إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ }.