التفاسير

< >
عرض

فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٣٩
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٤٠
يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَٱحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
٤١
سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآءُوكَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ
٤٢
-المائدة

تفسير كتاب الله العزيز

قوله: { فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ } أي من بعد سرقته { وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }. وفي هذه الآية دليل على أنه ظلم دون ظلم وظلم فوق ظلم، وكذلك الكفر كفر دون كفر وكفر فوق كفر.
ذكروا
"أن رجلاً جاء إلى النبي عليه السلام فأقر عنده أن سرق؛ فقال له النبي: ما أخالك سرقت. قال: بلى يا رسول الله. فأمر بقطعه، فقطع. ثم قال له النبي: قل: أستغفر الله وأتوب إليه. فقال: أستغفر الله وأتوب إليه؛ فقال النبي: اللهم تب عليه" .
ذكر عن بعضهم أنه قال في السارق إذا قطع أنه لا يغرم ما سرق، إلا أن توجد السرقة بعينها.
قوله: { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } أي إنك قد علمت أن الله له ملك السماوات والأرض { يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ } أي الكافر { وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ } أي: للمؤمن { وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْْءٍ } يريده { قَدِيرٌ }.
قوله: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا ءَامَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ } وهم المنافقون. يقول: لا يحزنك كفرهم، فإن ذلك لا يضرّك، إنما ضرّه عليهم.
ثم قال: { وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ ءَاخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ } وهم اليهود { يَقُولُونَ } أي يقول الذين لم يأتوك { إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَن يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }.
ذكر بعضهم قال: كان قتيل من بني قريظة قتلته النضير، وكان قتيل عمد. وكانت النضير إذا قتلت من قريظة قتيلاً لم يعطوهم القود ويعطونهم الدية. وإذا قتلت قريظة من النضير قتيلاً لم يرضوا دون القود، فكانوا على ذلك حتى قدم نبي الله المدينة على تفئة قتيلهم؛ فأرادوا أن يرفعوا ذلك إليه ليحكم بينهم. فقال رجل من المنافقين: إن قتيلكم قتل عمداً، ومتى ترفعوه إلى محمد أخشى عليكم القود، فإن قبل منكم الدية فخذوه، وإلا فكونوا منه على حذر. فأنزل الله هذه الآية ثم قال: { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } أي الرشى، يعني اليهود { فَإِن جَاءُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ } أي بالعدل { إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ }.
ذكروا عن الحسن في قوله: { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } قال: كان أحدهم يجيء مع خصمه إلى القاضي ويجيء برشوته في يده ليراها القاضي فلا يسمع القاضي إلا لها ولا ينظر إلا إليها. وأما قوله: { فَإِن جَاءُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ }... الآية فإنه كان رخص له في هذه الآية إن جاءوا أن يحكم بينهم أو يعرض عنهم إن شاء، ثم نسخ ذلك بعد فقال:
{ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الحَقِّ } [المائدة:48] فنسخت هذه الآيةُ الآيةَ الأولى.