التفاسير

< >
عرض

قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ ٱلأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ
٤
بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ فَهُمْ فِيۤ أَمْرٍ مَّرِيجٍ
٥
أَفَلَمْ يَنظُرُوۤاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ
٦
وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ
٧
تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ
٨

تفسير كتاب الله العزيز

قال عز وجل: { قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ } أي: ما تأكل الأرض منهم إذا ماتوا، أي: تأكل كل شيء غير عجم الذئب.
ذكروا عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"في الإنسان عظم لا تأكله الأرض، هو عجم الذنب وفيه يركب ابن آدم" . وقال بعضهم: سمعنا أنه فيه يركب ابن آدم.
وقال مجاهد: { مَا تَنقُصُ الأَرْضُ } من عظامهم. وقال بعضهم: ما تنقص الأرض: اللِّحى؛ وهم أهل الجنة، يخرجون مرداً.
قال: { وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ } أي: بما تأكل الأرض منهم. وبعضهم يقول: إنه اللوح المحفوظ.
قال الله عز وجل: { بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ } أي: ملتبس، فهم في شك من البعث.
قال: { أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا }. ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"بينكم وبينها مسيرة خمسمائة عام، حتى عدّ سبع سماوات هكذا. قال: وبين السابعة والعرش كما بين سماءين" .
قال: { وَزَيَّنَّاهَا } أي: بالكواكب { وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ } أي: من شقوق.
{ وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا } أي: بسطناها، كقوله عز وجل:
{ وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } [النازعات:30] وهذا كله واحد.
ذكروا عن عطاء قال: بلغني أن الأرض دحيت من تحت الكعبة. وقال مجاهد: كان البيت قبل الأرض بألف عام ومدّت الأرض من تحته. وقال بعضهم: مكة أم القرى ومنها دحيت الأرض.
قال تعالى: { وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ } والرواسي الجبال، أرسيت بها الأرض، أي: أثبتت بها. أي: جعلت أوتاداً للأرض. وهو كقوله:
{ أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَاداً وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً } [النبأ:6-7].
ذكروا عن الحسن قال: لما خلق الله الأرض جعلت تميد، فلما رأت ذلك الملائكة قالت: يا ربنا، هذه الأرض لا يقرّ لك على ظهرها خلق. فأصبح وقد وتدها بالجبال. فلما رأت ملائكة الله ما أرسيت به الأرض أعظموا ذلك فقالوا: يا رب، هل خلقت خلقاً أشد من الجبال؟ قال نعم، الحديد. قالوا: ربنا هل خلقت خلقاً هو أشد من الحديد؟ قال نعم: النار. قالوا: ربنا، هل خلقت خلقاً هو أشد من النار؟ قال نعم، الريح. قالوا: ربنا هل خلقت خلقاً هو أشد من الريح؟ قال نعم: ابن آدم.
قال تعالى: { وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ } أي: من كل لون { بَهِيجٍ }. وَكل ما ينبت في الأرض فالواحد منه زوج. { تَبْصِرَةً } أي: يتفكر فيه المؤمن، فيعلم أن الذي خلق هذا قادر على أن يحيي الموتى، وأن ما وعد الله من الآخرة حق. قال عزّ وجلّ: { وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ } أي: مخلص مقبل إلى الله بالإخلاص؛ كقوله عزّ وجل:
{ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ } [الزمر:54].