التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ ٱلْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّوۤاْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ
٣٢
-النجم

تفسير كتاب الله العزيز

قوله: { الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَآئِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاّّ اللَّمَمَ }.
ذكروا عن عبد الله بن مسعود أنه قال: الكبائر من أول سورة النساء إلى رأس الثلاثين. قال عز وجل:
{ إِن تَجْتَنِبُوا كَبَآئِرَ مَا تُنْهُوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } [النساء: 31].
ذكروا عن يحيى بن أبي كثير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"الكبائر تسع: الإشراك بالله، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وعقوق الوالدين المسلمين، وقذف المحصنات، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والسحر، والفرار من الزحف، واستحلال البيت الحرام، قبلتكم التي توجهون إليها" .
ذكروا عن الحسن قال: كان الفرار من الزحف يوم بدر من الكبائر خاصة. قال بعضهم: ويحدثون أن الفرار من الزحف يوم ملحمة الروم الكبرى من الكبائر لأن المسلمين مجتمعون يومئذ كما كانوا يوم بدر.
ذكروا عن الحسن قال: ذكرت الكبائر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أين تجعلون اليمين الغموس؟.
ذكروا عن عوف قال: مر بنا أبو العالية الرياحي فقال: اتقوا كبائر تسعاً، إني إراها تسعاً وتسعاً وتسعاً، حتى عدَّ أربعين أو أكثر.
غير واحد من العلماء المأخوذ عنهم، والمقبول منهم قال: كل ما أوجب الله عليه الحد في الدنيا وأوعد عليه وعيداً في الآخرة فهو كبيرة. وقال: وكل ما عذب الله عليه عذاباً في الدنيا أو في الآخرة فليس بصغيرة.
ذكروا عن قيس بن سعد أن ابن عباس قال: كل ذنب تاب منه العبد فليس بكبيرة، وكل ذنب أقام عليه العبد حتى يموت فهو كبيرة.
وقال بعضهم: كان يقال: لا قليل مع الإصرار، ولا كبير مع توبة واستغفار. والاستغفار مكنسة للذنوب. وقوله عز وجل:
{ وَاسْتَغْفِرُوا الله } [البقرة:199] أي: لا تعودوا.
تأويل هذا الحديث: إذا كان ذنب فيما بين العبد وبين الله فالتوبة إلى الله والاستغفار يجزيانه باللسان. وإن كان ذنب فيما بينه وبين الناس من القتل وذهاب الأموال فلا يجزيه إلا القَوَد من نفسه والانتصال من أموال الناس إذا كان يقدر على ردّ أموالهم.
ذكروا عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه يوماً:
"ما تعدون الزنا والسرقة وشرب الخمر؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: كبائر وفواحش، وفيهن العقوبة. ثم قال: أكبر الكبائر الإشراك بالله، وقتل النفس التي حرم الله إلا بحقها، وعقوق الوالدين. وكان متكئاً فجلس، ثم قال: ألا وقول الزور، ألا وقول الزور، ألا وإن لكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة بقدر غدرته يركز عند مقعدته، ألا ولا غدرة أكبر من غدرة أمير عامةً" .
ذكروا عن سعيد مولى ابن عباس، أنه ذكرت عنده الخمر فقال: ليست من الكبائر. فقال ابن عباس: بل هي أكبر الكبائر، إنه إذا شرب زنى، وفعل، وفعل.
وقوله عز وجل: (إِلاَّ اللَّمَمَ): ذكروا عن عكرمة قال: ما دون الحدين [كل ذنب ليس فيه حد في الدنيا ولا عذاب في الأخرة فهو اللمم].
وقال الحسن: اللمم ما يُلِمّ به من الزنا والسرقة وشرب الخمر، ثم لا يعود. تأويل حديث الحسن: أن يلمّ بشيء من هذا أن يفعله ولا يفعله ثم لا يعود أن يلم بها.
ذكروا عن أبي هريرة في اللمم أنه قال: العين تزني، وزناها النظر, واليد تزني وزناها اللمس، والرجل تزني وزناها المشي، والنفس تهوى وتحدث، ويصدق ذلك ويكذبه الفرج.
ذكروا عن أبي هريرة [عن النبي صلى الله عليه وسلم] قال:
"كل بني آدم قد أصاب من الزنا لا محالة؛ فالعين تزني وزناها النظر، واليد تزني وزناها اللمس، والرجل تزني وزناها المشي، والنفس تهوى وتحدث، ويصدق ذلك كله ويكذبه الفرج" .
ذكروا عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر" .
قوله عز وجل: { إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ } أي: يغفر ما دون الكبائر أي: يكفرها بالصلوات الخمس.
قال غير واحد من العلماء: إن ما دون الكبائر مكفر محطوط، شرط من الله وثيق، وهو قوله:
{ إِن تَجْتَنِبُوا كَبَآئِرَ مَا تُنْهُوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } [النساء:31]. فإن اجتنبت الكبائر كانت هذه السيئات مُكَفِّرَة مغفورة، محطوطة باجتناب الكبائر.
ذكروا عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"مثل الصلوات الخمس كمثل رجل على بابه نهر جار عذب ينغمس فيه كل يوم خمس مرات، فماذا يبقى من درنه" . وتفسير درنه إثمه.
قوله عز وجل: { هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ } أي: خلقكم من الأرض { وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ } والأجنة من باب الجنين في بطن أمه. قال تعالى: { فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى }.
ذكروا عن الحسن عن أبي بكر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" لا يقولن أحد إني قمت رمضان كله. فالله أعلم أكان يخشى التزكية على أمته. أم يقول لا بد من رقاد وغفلة" .
ذكروا عن الأعمش عن بعض أصحابه أن رجلاً قال لأصحاب عبد الله بن مسعود: لقد قرأت البارحة كذا وكذا سورة. فذكروا ذلك لعبد الله بن مسعود فقال: أخبروه أن حظه من ذلك الذي تكلم به.
وذكروا عن بعضهم قال: كانت اليهود تقدم أولادها فيصلون بهم، وقالوا ليست لهم ذنوب، فأنزل الله تعالى:
{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُم } [النساء:49].
وذكر بعضهم عن ثابت بن الحارث الأنصاري قال: كانت اليهود تقول لأولادها [إذا هلك صبيّ صغير: هذا] صديق. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
"كذبت يهود ما من نسمة يخلقها الله في بطن أمها إلا أنه شقي أو سعيد" . فأنزل الله عند ذلك هذه الآية: { هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى }.
وتفسير الكلبي: ألا يزكي بعضكم بعضاً. قال بعض العلماء: فإذا زكى نفسه زكى أشد.