التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ قَوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى ٱلْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
١٤
أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٥
ٱتَّخَذْوۤاْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ
١٦
-المجادلة

تفسير كتاب الله العزيز

قوله: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ } وهم المنافقون وَادُّوا المشركين وناصحوهم فأدّوا إليهم أخبار المؤمنين وأسرارهم. قال: { مَّا هُم مِّنكُمْ } يقوله للمؤمنين: ما هم منكم أي ليسوا من المؤمنين في الاسم والثواب [ما هم منكم في باطن أمرهم، إنما يظهرون لكم الإيمان وليس في قلوبهم] { وَلاَ مِنْهُمْ } يعني من المشركين [في ظاهر أمرهم لأنهم يظهرون لكم الإِيمان ويسرون معهم الشرك]. ليسوا من المشركين في الحكم والسيرة. كقوله تعالى: { مُّذَبْذَبِينَ بَينَ ذَلِكَ لآ إِلَى هَؤُلآءِ وَلآ إِلَى هَؤُلآءِ } [النساء:143]. قال: { وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أي وهم يعلمون أنهم كاذبون فيما حلفوا عليه، أي أنهم منكم وليسوا منكم. كقوله تعالى: { وَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَـٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ } [التوبة:56].
قال عز وجل: { أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ اتَّخَذُواْ أَيْمَانَهُمْ } أي: حلفهم { جُنَّةً } وهو كقوله:
{ إِذَا جَآءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ المْنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } [المنافقون:1].
وذلك أنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا إذا أتينا المشركين شهدنا إنك لرسول الله، فكذبهم الله في الذي قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال عز وجل: { إِذَا جَآءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ } أي: إنا شهدنا بذلك عند المشركين. قال عز وجل: { وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ المْنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } أي فيما ذكروا لك أنهم يشهدون عند المشركين إنك لرسوله. وكانوا يحلفون للنبي وللمؤمنين ليصدقوهم، فقال: { اتَّخَذُواْ أَيْمَانَهُمْ } أي حلفهم لك { جُنَّةً } اجتنوا بها منكم، وأسروا نفاقهم ولم يظهروه. لكي لا يقتلوا [ولا تسبى ذريتهم ولا تؤخذ أموالهم]، إذا أظهروا نفاقهم لأنهم يعلمون أن الحكم فيهم إذا أظهروا نفاقهم القتل. كقوله تعالى:
{ لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلاَّ قَلِيلاً مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُواْ أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقْتِيلاً. سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ } [الأحزاب:60] أي: هكذا سنة الله في منافقي كل أمة خلت من قبل: القتل إن لم ينتهوا عن إظهار نفاقهم. وكذلك سنته في منافقي أمتك إن لم ينتهوا عن إظهار نفاقهم.
قال تعالى: { فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللهِ } أي: عن الإسلام، كانوا يصدون عنه قال: { فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينُ } أي: من الهوان في عذاب جهنم.