التفاسير

< >
عرض

سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
١
هُوَ ٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَأَتَاهُمُ ٱللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي ٱلْمُؤْمِنِينَ فَٱعْتَبِرُواْ يٰأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ
٢
-الحشر

تفسير كتاب الله العزيز

تفسير سورة الحشر وهي مدنية كلها.
{ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } قوله: { سَبِّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }. تفسير الحسن قال: العزيز: بعزته ذلّ من دونه. وقال بعضهم: العزيز في نقمته، الحكيم بأمره.
قوله تعالى: { هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ } تفسير الحسن: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لَمَا أَجلى بني النَضير إلى الشَام قال:
"هذا أول الحشر، ونحن على الأثر إن شاء الله" . يعني أمته الذين تقوم عليهم الساعة بالشام.
وبعضهم يقول: يبعث الله النار قبل أن تقوم الساعة تطرد الناس إلى الشام، تنزل معهم إذا نزلوا، وترحل معهم إذا ارتحلوا. تطردهم إلى الشام، ثم تقوم عليهم الساعة بالشام.
وبعضهم يقول: كان بنو النضير أولَ من أخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود.
ذكروا عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لئن عشت إن شاء الله لأخرجن اليهود من جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلا مسلماً" . فَقُبض قبل أن يفعل.
ذكروا عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله عن النبي عليه السلام أنه أمر أن يُخرج اليهود من جزيرة العرب.
قوله تعالى: { مَا ظََنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ } أي: ما ظننتم أن يحكم الله بأن يُجلوا إلى الشام. { وَظَنُّواْ } أي اليهود، يعني بني النضير { أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللهِ فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ } أي: لم يكونوا يحتسبون أن يخرجوا من ديَارهم ومن حصونهم.
قال تعالى: { وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ } أي: يخربونها من داخل، يقولون: لا نتركها للمؤمنين. قال تعالى: { وَأَيْدِي الْمُؤمِنِينَ } أي: يخربها المؤمنون من خارج في تفسير الحسن.
وقال الكلبي: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسير إلى بني النضير درّبوا الأزقة وحصّنوا الدور، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتلهم إحدى وعشرين ليلة؛ كلما ظهر على دار من دورهم أو درب من دروبهم هدمه ليتسع المُقَاتَل وجعلوا ينقبون دورهم من أدبارها إلى الدار التي تليها ويرمون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بنقضها، فلما يئسوا من نصر المنافقين، وذلك أن المنافقين كانوا واعدوهم إن قاتلهم النبي عليه السلام أن ينصروهم، فلما يئسوا من نصرهم سألوا نبي الله عليه السلام الصلح. فأبى عليهم إلا أن يخرجوا من المدينة. فصالحوه على أن يجليهم إلى الشام على أن لهم أن يحملوا. كل ثلاثة منهم، على بعير واحد، ما شاءوا من طعام وسقاء، ولنبيِّ الله وأصحابه ما فضل؛ ففعلوا.
ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاهم إلى الصلح فأبوا. فلما رآهم لا ينزلون من حصونهم أمر بنخلهم فعُقِرت. فعقر يومئذ من صنوف التمر غير العجوة. فلما رأوا أنه قد ذهب بعيشهم هبطوا إلى الصلح على أن يجليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشام، وشارطهم على أن لهم ما حمل الظهر، سوى الحلقة والكراع. وزعم بعضهم أن الحلقة الدروع والسلاح كله. فاحتملوا شروطهم حتى إنهم لينقضون سقوفهم. وفيهم أنزل الله: { يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي المُؤْمِنِينَ }.
قال تعالى: { فَاعْتَبِرُواْ } أي تفكّروا واعرفوا الحق { يَآ أُولِي الأَبْصَارِ } أي: يا أهل العقول. يعني المؤمنين.