التفاسير

< >
عرض

كَمَثَلِ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
١٥
كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ ٱكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ
١٦
فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ
١٧
-الحشر

تفسير كتاب الله العزيز

ثم قال عزّ وجلّ: { كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } [من قبل قتل قريظة] { قَرِيباً ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ } يعني بني النضير. كان إهلاك الله إياهم قريباً: كان بين إجلاء بني النضير وقتل قريظة سنتان. نزلت هذه الآية من قوله عز وجل: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُواْ يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنُخْرِجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ... } إلى هذا الموضع في قتل قريظة، من قبل أن ينزل قوله: { مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَى أُصُولِهَا... } إلى قوله عز وجل: { وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاَّ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } وهي بعدها في التأليف. وتفسير مجاهد: { الَّذِين مِن قَبْلِهِمْ قَرِيباً } أي: كفار قريش يوم بدر.
قال تعالى: { ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ } أي: ذاقوا عقوبة أمرهم. والوبال العقوبة. { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }.
قال: { كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَال إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ } بريء منه ومن عبادته إياه.
{ فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ } أي: عاقبة الشيطان والذي عبده { أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَآؤُاْ الظَّالِمِينَ } أي: المشركين. فضرب الله مثل المنافقين واليهود حين اغترت اليهود بما وعدهم المنافقون من النصر فخذلوهم ولم ينصروهم { كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَال إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ }... إلى قوله عز وجل: { وَذَلِكَ جَزَآؤُاْ الظَّالِمِينَ }.
وبلغنا أن عابدا كان في بني إسرائيل قد خرج من الدنيا واتخذ دَيرا يتعبّد فيه. فطلبه الشيطان أن يزله فأعيا عليه. فلما رأى الشيطان ذلك جاء إلى ابنة الملك فدخل فيها فأخذها. فدعوا لها الأطباء فلم يغنوا عنها شيئا. فتكلم على لسانها فقال: لا ينفعها شيء إلا أن تأتوا بها إلا فلان الراهب فيدعو لها. فذهبوا إليه فجعلوها عنده. فأصابها يوما ما كان بها فانكشفت، وكانت امراة حسناء فأعجبته بياضها وحسنها فوقع عليها فأحبلها. فوسوس الشيطان إلى أبيها وإخوتها بأنه قد وقع عليها فأحبلها. ثم وسوس إلى الراهب فقال له: اقتلها وادفنها لئلا يعلموا أنك أحبلتها. فقتلها الراهب ودفنها في أصل حائط. فجاء أبوها وإخوتها، وجاء الشيطان بين أيديهم فسبقهم إلى الراهب وقال: إن القوم قد علموا ما صنعت بالمرأة، فإن سجدت لي سجده رددتهم عنك فسجد له. فلما سجد له أخزاه الله وتبرأ منه الشيطان. وجاء أبوها وإخوتها فاستخرجوها من حيث دفنها وعمدوا إلى الراهب فصلبوه. فضرب الله مثل المنافقين حين خذلوا اليهود فلم ينصروهم. وقد كانوا وعدوهم النصر { كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ } في هذه الآية { إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَال إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ }، وكذب. قال الله عز وجلَ: { فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ } أي عاقبة الشيطان وذلك الراهب { أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَآؤُاْ الظَّالِمِينَ }. وهو تفسير مجاهد.