التفاسير

< >
عرض

لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ
٨
-الحشر

تفسير كتاب الله العزيز

ثم قال: { لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ } أي: وللفقراء المهاجرين، رجع إلى أول الآية: { مَآ أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنَ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَاليَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } وللفقراء المهاجرين. ثم قال: { وَالذِينَ تَبَوَّءُو الدَّارَ والإِيمَانَ } أي: وللذين تبوءوا الدار، تبعاً للكلام الأول... إلى قوله: { فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } ثم قال الله عز وجل: { وَالذِينَ جَآءُو مِن بَعْدِهِمْ } أي: وللذين جاءوا من بعدهم تبعاً للكلام الأول أيضاً. قال [بعضهم]: فلم يبق أحد إلا وله في هذا المال حق. وهذا تفسير الحسن.
ذكروا أن عمر بن الخطاب قال: ما من أحمر ولا من أسود إلا يملكون فيئه. أي: إلا وله في هذا المال حقه، أُعطِيَه أو مُنِعَه. ولئن عشت إن شاء الله ليأتين الراعي باليمن حقه منه قبل أن يسأله أو يحمرّ فيه وجهه.
[ابن لهيعة عن أبي الأسود قال: أدركت زمان عثمان بن عفان وما من المسلمين أحد إلا وله في مال الله حق].
قوله: { وَمَآ ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ }. ذكروا عن عبد الله بن مسعود أنه لعن المتفلجات والمتوشمات والمتنمصات المغيرات خلق الله. فجاءته امرأة من بني أسد فقالت: أنت الذي تقول: لعن الله المتفلجات والمتوشمات والمتنمصات المغيرات خلق الله؟ فقال: ألا ألعنُ من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وقال بعضهم: قال: يسعنى أن ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت هذا فيه. فقال إن كنت قرأت ما بين اللوحين إنه لفيه. أما وجدت: { وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا } قالت بلى. فقالت: والله إني رأيت امرأتك تفعله. قال: اذهبي وانظري إليها. فإن رأيت فيها شيئاً من ذلك لم تصحبني. فدخلت فنظرت فلم تر شيئاً. ثم رجعت فقالت: ما رأيت فيها شيئاً من ذلك.
ذكروا عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ألا هل عسى رجل أن يكذبني وهو متكىء على حشاياه، يبلغه الحديث عني فيقول: كتاب الله ودعونا من حديث رسول الله" .
ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تقوم الساعة حتى يرفع العلم. فقال زياد بن لبيد: أيرفع العلم يا رسول الله ونحن نقرأ القرآن إيماناً ولسانا. فقال: ثكلتك أمك يا زياد بن لبيد، قد كنت أعدك من فقهاء المدينة. أوليس كتاب الله عند اليهود والنصارى فما أغنى عنهم. إن ذهاب العلم ذهاب العلماء" .
ذكروا عن عروة بن الزبير عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله لا ينزع العلم عنكم بعد أن أعطاكموه انتزاعاً، ولكن ينزعه عنكم بقبض العلماء. أي: يذهب العلماء بعلمهم ويبقى الناس جهالاً يستفتون فيقولون برأيهم فيضلون ويُضلون." قال عروة: فحدثت بذلك عائشة فقالت: والله لقد حفظ عبد الله.
ذكر غير واحد، وذكروه عن عمر بن الخطاب قال: أصحاب الرأي أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها، وتفلتت منهم أن يعوها فسُئلوا فقالوا برأيهم فضلوا وأضلوا.
ذكروا عن بعضهم قال: ما حدثك به أصحاب النبي عليه السلام فحدِّث.
ذكروا عن الحسن عن أبي مسلم الخولاني قال: مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم يهتدي بها الناس ما بدت، فإذا خفيت تحيّروا.
ذكروا عن بعضهم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"السنة سنتان: سنة في فريضة الأخذ بها هدى وتركها ضلالة، وسنة في غير فريضة الأخذ بها فضيلة، وتركها ليس بخطيئة" .
ذكروا عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أمرتكم به من شيء فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فانتهوا" . فهذا الأمر في غير السنة التي لا تترك فيما كان من فضيلة.
ذكروا عن الحسن أنه قال: ركوب النهي أشد من ترك الأمر. قال بعضهم: يعني بالأمر الذي فيه فضيلة ليس بسنة لا تترك.
قوله عز وجل: { لِلْفُقَرَآءِ المُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ } أي: أخرجهم المشركون من مكة { يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَاناً } أي بالعمل الصالح { وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } أي: في القول والعمل.