التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
٩
-الحشر

تفسير كتاب الله العزيز

{ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُو الدَّارَ } أي: وطنوا الدار، يعني المدينة { وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ } يعني الأنصار. وكان إيمان الأنصار قبل أن يهاجر إليهم المهاجرون، وكان إيمان المهاجرين قبلهم.
قال تعالى: { يُحِبُّونَ } يعني الأنصار { مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ } أي: مما أوتي المهاجرون، أي مما آثروهم به من الطعام والشراب وغير ذلك، في تفسير الحسن. وقال بعضهم: مما قسم للمهاجرين من [أموال] بني النضير.
قال تعالى: { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ }.
ذكروا أن رجلاً من المهاجرين قام ثلاثة أيام صائماً، يمسي فلا يجد ما يفطر عليه، فيصبح صائماً حتى فطن له رجل من الأنصار يقال له ثابت بن قيس فقال لأهله: إني أجيء الليلة بضيف لي. فإذا وضعتم طعامكم فليقم أحدكم إلى السراج كأنما يصلحه فليطفئه، ثم اضربوا بأيديكم كأنكم تأكلون، ولا تأكلوا حتى يشبع الضيف. فلما أمسى وضع أهله طعامهم. فقامت امرأته إلى السراج كأنها تصلحه فأطفأته. ثم جعلوا يضربون بأيديهم إلى الطعام كأنهم يأكلون ولا يأكلون، حتى شبع ضيفهم. وإنما كانت خبزة هي قوتهم. فلما أصبح ثابت غدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي عليه السلام:
"يا ثابت، لقد رضي الله فعلكم البارحة بضيفكم" . وأنزلت فيه: { وَيُوثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } أي: حاجة.
ذكروا أن عبد الرحمن بن عوف قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فآخى النبي بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، فقال له سعد: أقاسمك مالي نصفين. وكان ذا غنى. قال: وعندي امرأتان فأيتهما أعجبتك حتى أطلقها فإذا انقضت عدتها فتزوجها. فقال له: بارك الله لك في مالك وأهلك. دلوني على السوق. فما رجع حتى استحصل أقطا كثيراً وسمنا، وأحسبه قال: وتمرا. فجاء به إلى منزله. فمكثا ما شاء الله. فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أثر صفرة في صدره فقال: مهيم؟ فقال: يا رسول الله، تزوجت امرأة من الأنصار. قال: ما سقت إليها. قال: تومة من ذهب أو ورق. فقال: أولم ولو بشاة.
ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى من غنائم خيبر الأقرع بن حابس مائة من الإِبل، وأعطى عيينة بن حصن بن بدر مائة من الإبل، فقال أناس من الأنصار: يعطي النبي صلى الله عليه وسلم غنائمنا رجالاً سيوفنا تقطر من دمائهم وسيوفهم تقطر من دمائنا. [فبلغ ذلك صلى الله عليه وسلم فدعا الأنصار] فاجتمعت إليه الأنصار، فقال النبي عليه السلام:
"هل فيكم غيركم؟ قالوا: لا يا رسول الله إلا ابن أخت لنا. فقال: ابن أخت القوم منهم. ثم قال: يا معشر الأنصار، ألا ترضون أن يذهب الناس بالدنيا وبالشاء والإِبل وتذهبون أنتم بمحمد إلى دياركم؟ قالوا: بلى، يا رسول الله، قال: لو أخذ الناس واديا وأخذت الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار. الانصار كرشي وعيبتي، ولولا الهجرة لكنت أمرأ من الأنصار" .
قوله عز وجل: { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ } [تفسير سعيد بن جبير: وفي إدخال الحرام ومنع الزكاة] { فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }.
ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"برىء من الشح من أعطى زكاة ماله وقرى الضيف وأعطى النائبة في قومه" .
ذكروا عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أدى زكاة ماله فقد أدى حق الله في ماله ومن زاد فهو خير له" .