التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ
١٥٤
وَهَـٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ مُبَارَكٌ فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
١٥٥
أَن تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أُنزِلَ ٱلْكِتَابُ عَلَىٰ طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ
١٥٦
أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْكِتَابُ لَكُنَّآ أَهْدَىٰ مِنْهُمْ فَقَدْ جَآءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي ٱلَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ
١٥٧
هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَٰنُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِيۤ إِيمَٰنِهَا خَيْراً قُلِ ٱنتَظِرُوۤاْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ
١٥٨
-الأنعام

تفسير كتاب الله العزيز

قوله: { ثُمَّ ءَاتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ } أي التوراة { تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ }. ذكر بعضهم قال: من أَحسن في الدنيا تمّت عليه النِّعمة في الآخرة، يعني الجنة.
قوله: { وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ } قال بعضهم: تبييناً لكل شيء. وقال الحسن: لكلِّ شَيء من الحلال والحرام والأحكام والهدى والضلالة. { وَهُدىً } أي يهتدون به إلى الجنة. { وَرَحْمَةً } يقتسمونها { لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ } يعني البعث.
قوله: { وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ } يعني القرآن. { فَاتِّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }. قال بعضهم: اتَّبِعوا ما أحلّ الله فيه، واتَّقُوا ما حرّم فيه.
قوله: { أَن تَقُولُوا } يوم القيامة أي لئلا تقولوا يوم القيامة. قال مجاهد: يعني قريشاً. { إِنَّمَا أُنزِلَ الكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا } قال بعضهم: اليهود والنصارى { وإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ } قال:
{ أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ } أي من أهل الكتاب. { فَقَدْ جَاءَكُم بَيِّنَةٌ } أي موعظة { مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ } يعني القرآن { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللهِ وَصَدَفَ عَنْهَا } أي وصدَّ عنها في تفسير الحسن. وقال غيره: وأعرض عنها. أي لا أظلم منه. { سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونُ عَنْ ءَايَاتِنَا سُوءَ العَذَابِ } أي أشدّه { بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ } أي يصدون في تفسير الحسن. وقال غيره: يعرضون.
قوله: { هَلْ يَنُظُرونَ } أي ما ينظرون، يعني المشركين { إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ المَلاَئِكَةُ } أي بالموت { أَوْ يَأْتِي رَبُّكَ } أي بأمره { أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ } وقال بعضهم: { إِلاَّ أَن تَأتِيَهُمُ المَلاَئِكَةُ } بالموت، { أَوْ يَأتِيَ رَبُّكَ } أي بالقيامة. وهو قوله:
{ وَجَآءَ رَبُّكَ } [الفجر:22] أي بأمره. { وَالمَلَكُ صَفّاً صَفّاً }. وكقوله: { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الغَمَامِ وَالمَلاَئِكَةُ } [البقرة:210].
قال: { يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ } أي: طلوع الشمس من مغربها { لاَ يَنفَعُ نَفْساً ـ إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ ـ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً }.
ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت آمنوا كلهم أجمعون، فذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً" .
ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن باب التوبة مفتوح من قبل المغرب مسيرة خمسمائة عام لا يزال مفتوحاً للتوبة ما لم تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت أغلق" .
ذكروا عن عبد الله بن عمر قال: إن الشمس تطلع من حيث يطلع الفجر، وتغرب من حيث يغرب الفجر، فإذا أرادت أن تغرب تقاعست حتى تضرب بالعمد فتقول: يا رب، إني إذا طلعت عُبدت دونك، فتطلع على ولد آدم كلهم. فتجري إلى المغرب فتسلّم فيرد عليها فتسجد فينظر إليها، ثم تستأذن فيؤذن لها فتجري إلى المشرق، والقمر كذلك. حتى يأتي عليها يوم تغرب فيه، فتسلّم ولا يُرَد عليها، وتسجد فلا يُنظر إليها، ثم تستأذن فلا يُؤذن لها. ثم يقال لهما: ارجعا من حيث جئتما فيطلعان من المغرب كالبعيرين المقترنين.
ذكروا عن ابن عباس أنه قال: الليلة التي صبيحتها تطلع الشمس من مغربها قدرها ثلاث ليال.
قوله: { لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً }. قال الكلبي: لا تقبل التوبة يومئذ ممن لم يكن مؤمناً، ولا ممن كان يدّعي الإِيمان بغير وفاء. فأما المؤمنون الصادقون فإن العمل يقبل منهم كما كان يقبل قبل ذلك.
قوله: { قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ } كان المشركون ينتظرون بالنبي عليه السلام الموت، وكان النبي ينتظر بهم العذاب.