التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي ٱلظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ ٱللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
٣٩
قُلْ أَرَءَيْتَكُمْ إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ ٱلسَّاعَةُ أَغَيْرَ ٱللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ
٤٠
بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَآءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ
٤١
وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَٰهُمْ بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ
٤٢
فَلَوْلاۤ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ
٤٣
فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوۤاْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ
٤٤
فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
٤٥
-الأنعام

تفسير كتاب الله العزيز

قوله: { وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ } أي عن الهدى فلا يسمعونه { وَبُكْمٌ } عنه فلا ينطقون به { فِي الظُّلُمَاتِ } أي ظلمات الكفر { مَن يَشَإِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } أي الجنة. وقال بعضهم: الكافر أصمّ أبكم لا يسمع خيراً ولا يعقله، ولا يتكلم به ولا يَقْبَلُه.
قوله: { قُلْ أَرَءَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ } قال الحسن: يعني عذاب الله بالاستئصال { أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ } أي بالعذاب { أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } على الاستفهام، أي إنكم لا تدعون إلا الله فتؤمنون حيث لا يقبل الإِيمان عند نزول العذاب. قال الله: { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا } أي عذابنا
{ سُنَّتَ اللهِ التِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ } [غافر:85].
قال: { بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيهِ إِن شَاءَ } وهذه مشيئة القدرة، ولا يشاء أن يكشف عنهم عند نزول العذاب. { وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ } بالله من هذه الأوثان. وقال بعضهم: { أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ } أي إذا أصابكم الضرّ في الدنيا.
قوله: { وَلَقَدَ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ } والبأساء البؤس، وهي الشدائد من الجدوبة وشدة المعاش. والضراء هي الأذى من الأمراض والأوجاع.
قوله: { فَلَوْلاَ } أي فهلا { إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا } أي إنهم لم يتضرعوا. { وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ } أي غلظت قلوبهم فلم يؤمنوا. وهذا الذي كان يصيب الأمم من البأساء والضراء إنما هو شيء يبتليهم الله به قبل العذاب لعلّهم يؤمنون، فإذا لم يؤمنوا أهلكهم الله. قال: { وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }.
قال: { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ } أي ما وُعِظُوا به، أي تركوا ما جاءتهم به الرسل. وفي قول الحسن: أعرضواعما جاءت به الرسل. { فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ } أي من الرزق. وقال مجاهد: أبواب كل شيء من رخاء الدنيا. { حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً } أي بالعذاب فجأة. وقال مجاهد: فجأة آمنين وهم لا يشعرون. { فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ } أي يئسون.
وقال بعضهم: ما ذكروا به من أمر الله { أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً } أي بغت القومَ أمرُ الله. وقلّ مَا أخذ الله قوماً قط إلا عند سلوتهم وغبطتهم. قال: { فَقُطِعَ دَابِرُ القَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا } أي القوم الذين أشركوا { وَالحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ }.
وهي مثل الآية التي في الأعراف:
{ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ } أي القحط { الحَسَنَةَ } أي الرخاء { حَتَّى عَفَوْا } أي حتى كثروا { وَّقَالُوا قَدْ مَسَّ ءَابَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ } فلم يكن شيء. قال الله: { فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } [الأعراف:94-95].