التفاسير

< >
عرض

سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
١
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ
٢
كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ
٣
إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ
٤
-الصف

تفسير كتاب الله العزيز

تفسير سورة الصف، وهي مدنية كلها
{ بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرَّحِيمِ } قوله تعالى: { سَبِّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ } أي في نقمته { الْحَكِيمُ } في أمره.
{ يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } قال الحسن: يعني المنافقين. يقول: يا أيها الذين أقروا بألسنتهم، نسبهم إلى الإِيمان الذي أقروا به وادعوه، وكانوا يقولون: نجاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا جاء الجهاد تخلفوا عنه وقعدوا. فقال الله: { كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ }.
ثم وصف المؤمنين فقال: { إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً } أي يفعلون ما يقولون ويتمون على ما يدعون، وأنتم أيها المنافقون لا تفعلون ما تقولون وتقولون ما لا تفعلون. وهو كقوله تعالى: { قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا } أي حيث رأوا الأحكام جرت لهم وعليهم. قال الله: { قُلْ } يا محمد
{ لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَكِنْ قُولُواْ أَسْلَمْنَا } [الحجرات:14] أي: أقررنا. أي: فأنتم مقرون غير مؤمنين، لأن الإيمان والإِسلام لا يكونان إلا لمن استكمل فرائض الله وأوفى بها ولم ينقصها.
وقال مجاهد: إنها نزلت في نفر من الأنصار منهم عبد الله بن رواحة الأنصاري. قالوا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله لعملنا بها حتى نموت، فأنزل الله فيهم هذه الآية. وقال ابن رواحة: لا أبرح جيشاً في سبيل الله حتى أموت فقتل في سبيل الله.
قوله عز وجل: { كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ } ذكر ثبوتهم في صفهم كأنه بنيان قد رُصَّ بعضه إلى بعض.
ذكروا عن الأعمش عن أبي صالح عن كعب قال: في التوراة مكتوب: محمد المختار، لاَ فَظٌّ ولا غليظ ولا صخّاب في الأَسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يغفر ويعفو. أمته الحامدون، يحمدون الله في كل منزلة ويكبرونه على كل نجد. مناديهم ينادي في جو السماء، ويتوضأون على أطرافهم، ويتزرون على أوسطهم، لهم بالليل دوي كدوي النحل، صفوفهم في الصلاة والقتال سواء، مولده بمكة، وهجرته بطيبة، وملكه بالشام.
ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"رُصُّوا صفوفكم وقاربوا بينها وحاذوا الأعناق، فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يتخلل بينكم كأنه الحذَف" .
وتفسير الكلبي في قوله: { لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ } قال: بلغنا أن المؤمنين قالوا قبل أن يؤمروا بالقتال: والله لو نعلم أحب الأعمال إلى الله وأرضاها عنده لعملنا بها. فدلهم الله إلى أحب الأعمال إليه فقال تعالى: { إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ } فكره ذلك من كرهه. فأنزل الله هذه الآية { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ }.