التفاسير

< >
عرض

يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِى لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً
١
-الطلاق

تفسير كتاب الله العزيز

تفسير سورة الطَّلاق، وهي مدنية كلها
{ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } قوله تعالى: { يَآ أَيُّهَا النَّبِيِّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } يعني النبي وجماعة المؤمنين. قال بعضهم يطلقونها في قُبُل عدتها طاهراً من غير جماع.
ذكروا عن الحسن قال: كان الرجل إذا أراد أن يطلق امرأته استقبل طهرها، ثم دعا شاهدين فأشهدهما على طلاقها واحدة، وقال لها اعتدّي. ثم يلوم نفسه فيما بينه وبين انقضاء عدتها. فإن كان له بها حاجة دعا شاهدين فأشهدهما أنه قد راجعها، وإن لم تكن له بها حاجة تركها حتى تنقضي عدتها، فإن ندم كان خاطباً مع الخطاب. وبلغنا عن ابن مسعود نحو ذلك.
ذكروا عن الحسن وابن سيرين قالا: كان يقال: من طلق طلاق السنة لم يندم على امرأة فارقها؛ يقولان: ينبغي له أن يطلق امرأته واحدة، ولا يطلقها ثلاثاً.
ذكر بعضهم أن النبي عليه السلام طلق حفصة تطليقة؛ فأتاه جبريل عليه السلام فقال له: راجعها فإنها صوّامة قوّامة، فهي زوجتك في الجنة، فراجَعَها.
قال بعضهم: طلاق السنة أن يطلق الرجل امرأته في قُبُل عدتها طاهراً من غير جماع تطليقة واحدة، ثم يدعها. فإن شاء راجعها قبل أن تغتسل من الحيضة الثالثة. فإن شاء أن يطلقها ثلاثاً طلقها أخرى قُبُلَ عدتها طاهراً من غير جماع، ثم يدعها حتى إذا حاضت وطهرت طلقها، ثم لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.
ذكروا عن نافع عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض، فسأل عمر النبي عليه السلام فقال له: مره أن يراجعها ثم يمسكها حتى تطهر من حيضة سوى الحيضة التي طلقها فيها، فإذا طهرت فإن شاء أمسكها وإن شاء طلقها فإن أراد أن يطلقها فلا يقعن عليها عند طهرها فإن هذه العدة التي امر الله بها. قال بعضهم: فإن ابن عمر طلق امرأته واحدة.
ذكروا عن يونس بن جبير قال: قلت لابن عمر: رجل طلق امرأته وهي حائض. قال: أتعرف عبد الله بن عمر؟ قلت: نعم. قال: فإنه طلق امرأته وهي حائض. فأتى عمر النبيَّ عليه السلام فأخبره، فأمره أن يراجعها. فإن بدا له في طلاقها طلّقها قُبُلَ عدّتها، أي: قبل طهرها. قلت: أفتعتد بتلك التطليقة؟ قال: أرأيت إن عجل واسْتَمْحَق؟.
ذكروا عن عبد الله بن دينار قال: سمعت ابن عمر يقرأ هذا الحرف: { فَطَلِّقُوهُنَّ فِي قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ }.
ذكروا عن الحسن قال: الرجل لا يستأذن على مطلقته، ولكن يضرب برجله وينحنح. وقال بعضهم: يتنحنح ويسلم ولا يستأذن عليها، وتتشوف له وتتصنع، ولا يرى لها رأساً ولا بطناً ولا رجلاً، ولكن ينام معها في البيت.
ذكروا عن علي قال: يستأذن الرجل على كل امرأة إلا امرأته.
ذكر بعضهم قال: التي لم تحض، والتي قعدت عن المحيض تطلق عند كل شهر عند الهلال.
ذكروا عن جابر بن عبد الله في الحبلى يريد زوجها أن يطلقها فقال: لا أراها تحيض فتعتَدّ، ولو كنت مطلقَها فحتى تضع. والعامة تقول: إذا استبان حملها طلقها متى شاء.
قال بعضهم في الغائب يطلّق امرأته: إنه يكتب إليها: إذا حضتِ ثم تطهرتِ من محيضِك فاعتدّي. فإن كانت حاملاً فاستبان حملها كتب إليها بطلاقها. وإذا طلقها بعض الطلاق، وكانت تعتد، ثم أتبعها طلاقاً، فإنها تعتد من أول طلاقها.
قوله عز وجل: { وَأَحْصُواْ الْعِدَّةَ وَاتََّقُواْ اللهَ رَبَّكُمْ } أي: فلا تطلقوهن في الدم ولا في الطهارة وقد جامعتموهن، إلا في الطهارة بعد أن يغتسلن من المحيض من قبل أن تجامعوهن.
قوله عز وجل: { لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ ولاَ يَخْرُجْنَ } لا تخرج من بيتها حتى تنقضي عدتها، وإن طلقها ثلاثاً في قول العامة. وفي قول ابن عباس والحسن إن شاءت خرجت إذا طلقها ثلاثاً، وإذا توفي عنها زوجها أيضاً.
معنى قولهما: تعتد منه وإن طلقها اثنتين أيضاً. ومعنى قول العامة أنها في المطلقات اللاتي دخل بهن لا يخرجن حتى تنقضي عدتهن.
وهذا الخروج ألا تتحول من بيتها. فإن احتاجت إلى الخروج بالنهار لحاجتها خرجت ولا تمسي إلا في بيتها.
ذكروا عن فاطمة بنت قيس أنها أتت النبي عليه السلام وقد أَبَتَّ زوجُها طلاقها فقال لا سكنى لك ولا نفقة.
ذكروا عن عمر أنه قال: ما كنا لنأخذ بقول امرأة لعلها وهمت، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لها السكنى والنفقة.
ذكروا عن ميمون بن مهران قال: سألت ابن المسيب عن أشياء فقال: إنك تسأل سؤال رجل يمتحن، فهل خالفت في شيء مما سمعت ما سمعت من غيري. قلت: لا، إلا قولك في المطلقات إنها لا تنتقلن فما بال حديث فاطمة بنت قيس. فقال: ويح تلك المرأة، كيف فتنت الناس. قلت: إن كان أفتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فما فتنت.
قوله عز وجل: { إِلاَّ أَن يَّأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } ذكروا عن نافع عن ابن عمر قال: [الفاحشة المبيّنة خروجها في عدتها. وقال بعضهم]: الفاحشة: الزنا، والمبيّنة أن يشهد عليها أربعة أنها زنت.
وكانت المرأة إذا زنت وشهد عليها أربعة أخرجت من بيت زوجها، وحبست في بيت آخر قبل أن ينزل حد الزاني، وهو قوله عز وجل:
{ وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةََ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً } [النساء:15] فنسخ ذلك في هذه الآية: { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ } [النور:2].
وبعضهم يقول: { إِلاَّ أَنْ يَّأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } أي: تزني فتخرج فيقام عليها الحد. وبعضهم يقول: الفاحشة المبيّنة: النشوز البيّن.
قوله عز وجل: { وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ } أي: أحكام الله. وقال الكلبي: هذا حد الله، بيّن فيه طاعته ومعصيته. قوله عز وجل: { وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ } أي يجاوز ما أمر الله به { فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ }.
قوله عز وجل: { لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً } أي: المراجعة، رجع إلى أول السورة: { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ الْعِدَّةَ } أي: له الرجعة في التطليقة والتطليقتين ما لم تنقض العدةُ فتغتسل من الحيضة الثالثة إن كانت ممن تحيض، أو ثلاثةُ أشهر إن كانت ممن لا تحيض، كبيرة قعدت عن المحيض، أو صغيرة لم تحض بعد. وكذلك الضهياء التي لا تحيض.