التفاسير

< >
عرض

فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُواْ ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً
٢
وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ ٱللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
٣
-الطلاق

تفسير كتاب الله العزيز

قوله عز وجل: { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } [أي: منتهى العدة] { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ }. وذلك أن الرجل كان يطلق المرأة فيتركها حتى تشرف على انتهاء عدتها، ثم يراجعها. ثم يطلقها، فتقضي المرأة تسع حيضات، فنهى الله عن ذلك في هاتين الآيتين. { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } والآية التي في سورة البقرة. { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِّتَعْتَدُواْ } [البقرة:231] يعني ما كانوا يعتدون فتصير تسع حيضات، فنهى الله عن ذلك، وهو قوله: { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } [البقرة:229]، وهو قوله: { وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً } [النساء:21] وذلك من حين يملكها.
قوله عز وجل: { وَأَشْهِدُواْ ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ } فإن هو أراد أن يراجعها قبل أن تنقضي العدة [وغشيها قبل أن يشهد] فقد حرمت عليه في قول جابر بن زيد وأبي عبيدة والعامة من فقهائنا. وكان إبراهيم يقول: غشيانه لها مراجعة، ويشهد بعد ذلك بالمراجعة.
وإن هو لم يراجعها حتى تنقضي العدة فهي الفرقة التي قال الله عز وجل: { أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ }. فإذا انقضت العدة بانت عنه بواحدة إن كان طلقها واحدة: أو اثنتين، ما لم يطلقها ثلاثاً.
ذكروا عن الأسود بن يزيد أن امرأة طلقها زوجها وتركها حتى وضعت ماءها لتغتسل من الحيضة الثالثة فراجعها. فردها عليه عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما، وهو قول علي وأبي موسى الأشعري وعمران بن حصين وابن عباس.
ذكر الزهري عن عروة بن الزبير عن زيد بن ثابت عن عائشة رضي الله عنها قالت: إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد بانت عنه.
وحدثني الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه أنه قال: إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد بانت عنه. وكذلك حدثني عثمان عن نافع عن ابن عمر. وأهل العراق يقولون: الأَقراء: الحيض، وأهل المدينة يقولون: الأقراء: الطهر. وقد بيّنا قولهم في سورة البقرة.
وقوله عز وجل: { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ } أي: على الطلاق والمراجعة.
وإذا طلق الرجل امرأته تطليقة أو تطليقتين، ثم تركها حتى تنقضي عدتها، فتزوجت رجلاً غيره، فطلقها أو مات عنها، فراجعها الأول، فإن عثمان حدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتِيَ في ذلك فقضى على ما بقي من طلاقها.
ذكر الحسن عن أبي هريرة قال: شهد عندي نفر فيهم عمر، وعمر أصدقهم، أنها عنده على ما بقي من طلاقها. ذكروا عن الحسن عن أبيّ بن كعب قال: هي عنده على ما بقي من طلاقها، وهو قول علي وعمران بن حصين.
قوله عز وجل: { وَأَقِيمُواْ الشَّهَادَةَ لِلَّهِ } أي: يقوم من كانت عنده فليُؤَدِّها ولا يكتُمْها
{ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ } [البقرة:283].
قال عز وجل: { ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً }. تفسير الحسن: يجعل له مخرجاً من الشرك إذا تاب، ويغفر له ما مضى. ذكروا عن الأعمش قال: إن المخرج أنه مِن قِبَل الله، وأنه هو الذي يعطيه ويمنعه. قال عز وجل: { وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } أي: من حيث لا يرجو.
قال: { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ } أي: قاض أمره على من توكل عليه وعلى من لم يتوكل عليه. { قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً } أي: منتهى ينتهي إليه.