التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ ٱسْكُنُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيۤئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ
١٦١
فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ
١٦٢
وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ
١٦٣
-الأعراف

تفسير كتاب الله العزيز

قوله: { وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ القَرْيَةَ } قال بعضهم: بيت المقدس { وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا البَابَ سُجَّداً نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ المُحْسِنِينَ } قد فسّرناه في سورة البقرة.
قال: { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ }. وقد فسرناه في سورة البقرة.
قوله: { وَسْئَلْهُمْ عَنِ القَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ البَحْرِ } ذكر بعضهم قال: ذكر لنا أنها كانت قرية على ساحل البحر يقال لها أيلة. فكان إذا كان السبت أقبلت الحيتان فتنبطح على سواحلهم وأفنيتهم لما بلغها من أمن الله في الماء. فإذا كان غير يوم السبت بعدت في الماء حتى يطلبها طالبهم. فخدعهم الشيطان فقال: إنما نهيتم عن أكله ولم تنهوا عن صيده. فاصطادوها يوم السبت، ثم أكلوها بعد ذلك.
وقال الكلبي: هي أيلة، وهو مكان من البحر تجتمع فيه الحيتان في شهر من السنة كهيئة العيد، تأتيهم منها [حتى لا يروا الماء وتأتيهم في غير ذلك الشهر كل يوم سبت] كما تأتيهم في ذلك الشهر. قال: وذلك بلاء من الله ليعلم من يطيعه ممن يعصيه. وذلك في زمان داود عليه السلام.
وقال الكلبي: فإذا جاء السبت لم يمسوا منها شيئاً. فعمد رجال من سفهاء تلك المدينة فأخذوا الحيتان ليلة السبت ويوم السبت، فأكثروا منها، وملّحوا وباعوا؛ ولم تنزل بهم عقوبة فاستبشروا وقالوا: إنا نرى السبت قد حلّ وذهبت حرمته؛ إنما كان يعاقب به آباؤنا في زمن موسى، ثم استنَّ الأبناء سنة الآباء، وكانوا يخافون العقوبة، ولو كانوا فعلوا لم يضرهم شيء. فعملوا بذلك سنين، حتى أثروا منه، وتزوجوا النساء، واتخذوا الأموال.
فمشى إليهم طوائف من صالحيهم فقالوا: يا قوم، إنكم قد انتهكتم حرمة سبتكم، وعصيتم ربكم، وخالفتم سنة نبيّكم، فانتهوا عن هذا العمل الرديء قبل أن ينزل بكم العذاب، فإنا قد علمنا أن الله منزل بكم عذابه عاجلاً ونقمته. قالوا: فلمَ تعظوننا إذ علمتم أن الله مهلكنا، والله لقد عملنا هذا العمل منذ سنين، فما زادنا الله به إلا خيراً؛ وإن أطعتمونا لتفعلن مثل الذي فعلنا؛ فإنما حرم هذا على من قبلنا، وهم الذين نهوا عنه. قالوا: ويلكم لا تغتروا ولا تأمنوا بأس الله، فإنه كأن قد نزل بكم. قالوا: فـ { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً }. قالوا: معذرة إلى ربكم؛ إما أن تنتهوا فيكون لنا أجر، أو تهلكوا فننجو من معصيتكم. فأنزل الله: { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيِسٍ }، أي شديد، { بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ }. فأصبح الذين استحلّوا السبت قردة خاسئين.
وقال بعضهم: إنهم صاروا ثلاث فرق: فرقة اجترأت على المعصية، وفرقة نهت، وفرقة كفّت فلم تصنع ما صنعوا ولم تنههم؛ فقالوا للذين نهوا: لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً، قالوا معذرة إلى ربكم. ولعلهم يتقون.
قوله: { إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ } أي يعتدون في السبت، وهو من الاعتداء { إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً } قال الحسن: إن الله حرم عليهم أخذ الحيتان يوم السبت بخطيئة كانت منهم، وأحل لهم الأيام كلها إلا يوم السبت. فإذا كان يوم السبت أتتهم على أبوابهم فتنبطح وتشرع. { وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ } أي في غير يوم السبت { لاَ تَأْتِيهِمْ }. قال الله: { كَذَلِكَ نَبْلُوهُم } أي نبتليهم { بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ }. أي بما تعدوا وأخذوا في السبت.