التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ
٤٧
وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَآءَتِ ٱلْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنْكُمْ إِنَّيۤ أَرَىٰ مَا لاَ تَرَوْنَ إِنَّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
٤٨
-الأنفال

تفسير كتاب الله العزيز

قوله: { وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَآءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ } يعني المشركين. { وَاللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } أي: يحفظها عليهم حتى يجازيهم بها.
قوله: { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ العِقَابِ }.
قال الكلبي: إن المشركين لما خرجوا من مكة إلى بدر أتاهم الخبر، وهم بالجحفة قبل أن يصلوا إلى بدر، أن عيرهم قد نجت؛ فأراد القوم الرجوع. فأتاهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم، فقال: يا قوم، لا ترجعوا حتى تستأصلوهم، فإنكم كثير، وعدوكم قليل، فتأمن عيركم. وإني جار لكم على بني كنانة ألا تمروا على حي من بني كنانة إلا أمدوكم بالخيل والرجال والسلاح. فمضوا كما أمرهم للذي أراد الله من هلاكهم.
فالتقوا هم والمسلمون ببدر؛ فنزلت الملائكة مع المسلمين [في صف]، وإبليس في صف المشركين في صورة سراقة بن مالك. فلما نظر إبليس إلى الملائكة مع المسلمين نكص على عقبيه. وأخذ الحارث بن هشام المخزومي بيده فقال: يا سراقة، على هذه الحال تخذلنا؟ فقال: إني أرى ما لا ترون، أي الملائكة، إني أخاف الله والله شديد العقاب. فقال له الحارث: ألا كان هذا القول أمس. فلما رأى إبليس أن المؤمنين أقبلوا إليهم، دفع في صدر الحارث فخرّ، وانطلق إبليس وانهزم المشركون.
فلما قدموا مكة قالوا: إنما انهزم بالناس سراقة بن مالك ونقض الصف، ثم انهزم الناس. فبلغ ذلك سُرَاقة، فقدم عليهم مكة فقال: بلغني أنكم تزعمون أني انهزمت بالناس؛ فوالذي يحلف به سراقة ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم فجعلوا يذكّرونه: أما أتيتنا يوم كذا وكذا، وقلت لنا كذا وكذا؟ فجعل يحلف لهم. فلما أسلموا علموا أنه الشيطان.
ذكروا أن مجاهداً قال: هو أبو جهل وأصحابه يوم بدر.
ذكر بعضهم قال: كان الذين قاتلوا نبي الله يوم بدر خرجوا ولهم بغي وفخر. وقد قيل لهم يومئذٍ: ارجعوا فقد انطلقت عيركم، وقد ظفرتم. فقالوا: لا والله حتى يبلغ أهل الحجاز مسيرُنا وعددُنا.
وأما قوله: { لاَ غَالِبَ لَكُمُ اليَوْمَ مِنَ النَّاسِ } أي إنه ليس أحد من الناس يغلبكم اليوم في تفسير الحسن. { وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ } أي معكم. وقوله: { نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ } أي رجع على عقبيه هارباً. وقوله: { إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ } إِنِّي أَخَافُ اللهَ أي أنه رأى جبريل يزع الملائكة. وقال الحسن: رأى الملائكة تضرب وجوه المشركين. وقال بعضهم: ذكر لنا أن الشيطان رأى جبريل تنزل معه الملائكة.
قوله: { إِنِّيَ أَخَافُ اللهَ } قال بعضهم: كذب، ولكن علم أن لا طاقة لهم بهم. قال الكلبي: أما قوله: { إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ } فصدق. وأما قوله: { إِنِّي أَخَافُ اللهَ } فكذب.