التفاسير

< >
عرض

فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
٨٢
فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إِلَىٰ طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَٱسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِٱلْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْخَالِفِينَ
٨٣
وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ
٨٤
-التوبة

تفسير كتاب الله العزيز

قوله: { فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } يعني المنافقين. فليضحكوا قليلاً في الدنيا، أي: إلى موتهم، وليبكوا كثيراً، أي في النار إذا صاروا إليها.
ذكروا عن أبي موسى الأشعري أنه قال:
"إن أهل النار ليبكون الدموع، حتى لو أن السفن أرسلت في دموعهم لجَرَت، ثم يبكون بعد ذلك الدم" .
ثم قال للنبي عليه السلام: { فَإِن رَّجَعَكَ اللهُ } أي: من غزوة تبوكَ { إِلَى طَائِفَةٍ مِّنْهُمْ } أي من المنافقين { فَاسْتَئْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ } معك { فَقُل لَّن تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ } فبذلك كفرتم، وبذلك نُهِيتُ أن أستصبحكم { فَاقْعُدُوا مَعَ الخَالِفِينَ }. أي مع النساء في تفسير الحسن. وفي تفسير الكلبي: مع الأشرار. ذكر بعضهم قال: ذكر لنا أنهم كانوا اثني عشر رجلاً قيل فيهم ما قيل.
قوله: { وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ } ثم أخبره لم ذاك وبم هو، فقال: { إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ } أي: خالفوا الله وخالفوا رسوله { وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ } وهو فسق النفاق.
قال بعضهم: بلغنا أنه عبد الله بن أبي بن سلول؛ لما مات جاء ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أعطني قميصك أكفّنه فيه. فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه فكفنه فيه، وصلّى عليه النبي. فأنزل الله: { وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ } ثم أخبره لم ذاك وبم هو فقال: { إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ } أي خالفوا الله وخالفوا رسوله { وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ }.
وقال بعضهم: ذكر لنا أنه مات منافق فكفنه رسول الله في قميصه وصلى عليه ودلاَّه في قبره. فأنزل الله هذه الآية. فذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"وما يغني عنه قميصي من عذاب الله. والله إني لأرجو أن يسلم به ألف من قومه
"
وقال بعضهم: إن رسول الله تقدم ليصلِّيَ عليه، فأخذ جبريل بثوبه فقال: والله لا تصل على أحد منهم مات أبداً.. إلى آخر الآية.
وفي هذا دليل على أهل الفراق أن لو كانوا مشركين كما قالوا ما صلّى عليهم رسول الله، ولا وقف على قبورهم، ولا كفنهم في ثيابه، ولا دلاّهم في قبورهم بعد قول الله:
{ إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ } [التوبة:28]، وبعد قوله: { مَا كَانَ لِلنَّبيِّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الجَحِيمِ } [التوبة:113].