التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسْتِعْجَالَهُمْ بِٱلْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ
١١
-يونس

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ ولو يُعجِّل اللهُ للنَّاس الشرَّ } كالفقر والمرض والموت { اسْتعْجالهم بالخَيْر } أى تعجيلا مثل استعجالهم، أى مناسبا لاستعجالهم بمعنى تعجيلا آتيا على مقتضى استعجالهم بالخير، ومقتضاه التعجيل، وإلا فالاستعجال غير التعجيل بل طلب العجلة، وذلك أنهم يحبون العجلة بالخير، ويكرهون الشر، وقد استوجبوه بأعمالهم، فأملهه الله رفقا ولطفاً، هذا ما ظهر لى فى إعراب الآية ومعناها، ولك أن تقول: استعجالهم بالخير سبب وملزوم فى الجملة للتعجيل به، فوضع موضع التعجيل، فكأنه قيل: تعجيلا مثل تعجيلهم، وفيه إشارة إلى سرعة إجابته حتى كان استعجالهم بالخير تعجيل به لهم.
وأما على قول ابن عباس، وقتادة أن ذلك فى دعاء الإنسان عند الغضب على نفسه وأهله وماله بالشر، وقول بعض: إنه فى قولهم:
{ { إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء } وقول بعض إنه فى قولهم: { { إيتنا بما تعدنا } ونحو ذلك، فالتقدير ولو يعجل الله للناس الشر حين استعجلوه استعجالا مثل استعجالهم بالخير، فحذف عامل المصدر وغيره للدلالة عليه، ويجوز الوجه الأول أيضا فى هذه الأقوال.
{ لقُضِىَ إلَيهمْ أجلُهم } وصل إليهم أجل الموت فيموتوا، فإن الموت من جملة الشر، وقرأ ابن عامر، ويعقوب، وعيسى بن عمرو بالبناء للفاعل وهو الله، ونصب الأجل كما قرأ ابن مسعود لقضينا إليهم أجلهم، وفى الحديث:
"لا يتمنى أحدكم الموت ولا يدعو به، فإن أحدكم إذا مات انقطع عمله، وإن أحدكم يزداد فى أجله خيرا،" ويجوز أن يقول: "اللهم أمتنى إذا كان الموت خيراً لى" وفى الحديث: "اللهم أتخذ عندك عهداً لن تخلفنيه فإنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر، فأيما رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة يقرب بها إليك وكفارة له يوم القيامة" .
{ فنَذرُ } عطف على حرف النفى ومنفيه محذوفين مدلولا عليهما بلو، فإنها امتناعية، والامتناع نفى، والتقدير لا نفعل ذلك فنذر { الَّذينَ } موضوع موضع الضمير تقبيحا لهم بصلته، على أن المراد بالناس الكفار فقط، وإلا فالظاهر على أصله، وقرأ الأعمش فذر { لا يرْجُون لقاءنا فى طُغْيانهم يعْمهُون } يترددون إمهالا واستدراجاً.