التفاسير

< >
عرض

وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ
١٨
-يونس

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ ويعْبدُونَ } أى كفار قريش والعرب { مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يضُرُّهم } إن لم يعبدوه { ولا ينْفَعُهم } إن عمدوه، أو ما لا يضر ولا ينفع مطلقا، وذلك لأنه جماد لا يقدر على نفع أو ضر كحجارة ونجم، والشمس والقمر، ولأنه مخلوق لا ينفع أو يضر إلا بإذن الله كالملائكة، وكان من العرب من يعبد الملائكة والشِّعرى، كانت النصرانية فى ربيعة، وغسان، وبعض قضاعة، واليهودية فى نمير، وكنانة، وبنى الحارث ابن كعب، وكندة، والمجوسية فى تميم، منهم زرار بن عدى، وابنه على وتزوج ابنته ثم ندم، ومنهم الأقرع بن حابس وتمجس، والزندقة فى قريش أخذوها من الجزيرة، وكان بنو حنيفة اتخذوا صنماً من حيس وعبدوه دهراً طويلا، وأدركتهم مجاعة فأكلوه، والمعبود من شأنه أن يثيب ويعاقب.
{ ويقُولُون هؤلاء } إشارة إلى العقلاء وهم الملائكة، وغير العقلاء وهو الأوثان، وأصله للعقلاء، ولكن ذلك تغليب، وقيل: المراد بما لا يضرهم ولا ينفعهم الأوثان، ولفظ هؤلاء قد يشار به إلى غير العقلاء، ولا سيما إذا نزل منزلة العقلاء كما هنا، قيل: كان أهل الطائف يعبدون اللات، وحجابها بنو مغيث، وأهل مكة العزى، وحجابها بنو شيبة، ومناة وهبل وأسافاً ونائلة.
وقيل: كانت العزى لقريش وكنانة، ومناة للأوس والخزرج ومن دان بدينهم، وكانوا يقولون هؤلاء { شُفعَاؤنا عِنْد اللهِ } يوم القيامة، وكانت قريش وغيرهم ربما تخيلت البعث أو المراد أنهم شفعاؤنا يوم القيامة إن كان البعث أمراً صحيحاً، وعن الحسن: تشفع لهم فى زعمهم فى أمر الدنيا، كقحط ومرض، وكانوا أنكروا البعث، والأول قول ابن عباس، وابن جريج، وذلك مع شدة بشاعته، إنما يقوله نبلاؤهم، وأما غيرهم فأشد ضلالة وتيهاً.
وانظر كيف يعبدون ما علموا قطعاً أنه لا يضر ولا ينفع، وعاينوه كذلك، وطمعوا فى شفاعته، وتركوا الخالق لكل شىء مع قطعهم بأنه الضار النافع، وأنه مالك الأمر القابل للشفاعة، أو الراد لها، وذكر بعضهم أنهم توهموا أن عبادة الأوثان أشد فى تعظيم الله من عبادته، وقالوا: ألسنا بأهل أن نعبد الله، ولكن نشتغل بعبادتها فتشفع لنا عنده، وعن النظر بن الحارث: إذا كان يوم القيامة شفعت لى اللات والعزى.
{ قُل أتنبِّئونَ } أتخبرون، وقرئ بإسكان النون وتخفيف الموحدة بعدها { اللهَ بما لا يعْلمُ } متعد لواحد، أى بما لا يدركه ويخفى عنه وهو الشريك أو الشفيع، وذلك نفى للملزوم، وهو وجود الشريك بنفى اللازم، وهو علم الله، إذ لو كان لعلمه الله، وإذا لم يكن معلماً له فليس بموجود، لأنه العالم بالذات المحيط علمه بجميع الأشياء، فقط تضمن الكلام أن هؤلاء ليسوا بشفعاء ولا بشركاء، وجىء به على صورة وجود ذلك، وعدم علم الله به تهكما بهم وتقريعا.
{ فى السَّماواتِ ولا فى الأرضِ } حال من الرابط المحذوف، أى بما لا يعلمه ثابتا فى السماوات ولا فى الأرض، وفيه تأكيد للنفى، فإن ما يتأهل للعبادة إما سماوى، وإما أرضى، ولا موجود فيهما إلا وهو حادث مقهور مثلهم، لا يليق أن يشرك به، وإنما لم جعل يعلم متعديا لاثنين ثانيهما فى السَّماوات، إذ ليس المراد العلم بأنه فيهما، بل العلم بأنه موجود فافهم، وقد يجوز أن يجعل متعديا لاثنين على الكناية بنفى الثانى عن نفى الأول، كما رأيته فى وجه الحال.
{ سُبحانهُ وتَعالى عمَّا يشْركُونَ } ما مصدرية أى عن إشراكهم، أو اسم أى عما يشركونه به، وذلك استئناف، وقرأ حمزة والكسائى، وأبو عبد الرحمن، هنا، وفى موضعى النحل، وفى النمل، والروم، تشركون بالفوقية، وزعم أبو حاتم أن نافعا، وابن كثير قرأ هنا وفى النمل بالفوقية، وزعم أبو حاتم أن نافعاً، وابن كثير قرأها، وفى النمل بالفوقية وفى رواية والمشهور أنهما قرآ بالتحتية.