التفاسير

< >
عرض

أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ ٱلْكَافِرُونَ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ
٢
-يونس

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ أكَانَ } استفهام إنكار وتوبيخ { للنَّاسِ } قريش والعرب، أو أهل مكة، اللام للبيان، تبين أن العجب لهم علقها بعضهم بقوله: { عَجباً } لأنه لا ينحل هنا إلى فعل وحرف مصدر، فلم يضر تقديم معمول المصدر على المصدر، ولأن المعمول ظرف وعلقها بعض بمحذوف حال من { عَجباً } ولو كان نكرة لتقدم، والمسوغ بالاستفهام، وعلقه بعض بكان وهو أولى، والصحيح جواز التعليق بالفعل الناقص، وعجباً خبر كان مقدم، والعجب حالة تعترى الإِنسان عند الجهل بسبب الشىء { أنْ أَوْحَيْنا } اسم كان فى التأويل، ويجوز كونه اسمها، وللناس خبرها، وعجباً حال من ضمير الاستقرار فى قوله: { للناس }، ويفيد الخبر الفائدة الكاملة بهذه الحال، وقرأ ابن مسعود برفع عجب، وكذا فى مصحفه على الأخبار بالمعروفة عن النكرة، إذ عجب اسم كان، وإن أوحينا فى التأويل خبرها، والتقدير فى جاءنا وهو معرفة، وهم حكموا بأن حرف المصدر ومدخوله فى حكم الضمير، أو على أنه بدل من عجب بالرفع، وكان تامة، وعجب فاعلها، أو ناقصة فخبرها للناس، وإنما قال: { للناس } ولم يقل: عند الناس، والله أعلم، ليدل على أنهم جعلوه أعجوبة لهم فيوجهون نحوه إنكارهم واستهزاءهم.
{ إلى رَجُلٍ } وقرئ بإسكان الجيم مع فتح الراء { مِنْهم } من العرب أو من قريش، أو أهل مكة، أو الناس من سائرهم لا ممن له شرف بمال وجاه، وذلك من عظم جهلهم، إذ كونه بشراً أليق من كونه ملكاً، وكونه لا مال له ولا جاه هو أعون شىء فى أداء الرسالة، بحيث لا يشغله مال عن أدائها، ولا يمنعه تعلق جاء به، ولا عجب فى ذلك، وإنما العجب فى تعطيل العقاب والثواب.
{ أنْ } مفسرة أو مصدرية، وعليها فالمصدر مفعول لأوحينا { أنْذِرِ النَّاسَ } خوفهم بالعقاب إن أصروا على الكفر أو المعصية مطلقاً، ولذلك عمم، إذ ما من أحد إلا وفيه ما ينبغى أن ينذر عنه.
{ وبَشِّر الَّذينَ آمنُوا } أخبرهم إختاراً ساراً { أنَّ } أى بأن { لَهم قَدمَ صِدْقٍ } أى عملا صالحاً مقبولاً لصدقهم فيه، وإخلاصهم إياه، وسمى قدماً لأن به وصولهم إلى الدرجات العلى، كما أن الإِنسان يتوصل بقدمه إلى المكان الذى ليس فيه، وسميت النعمة يداً لأنها تعطى باليد، وبإعلان صاحبها يبوء بها، أى يمد، وأضيف للصدق لصدقهم فيه، وإخلاصهم، أو أراد بالقدم الثواب على أعمالهم تشبيهاً لغويا بالشىء ناله الإنسان بالسعى إليه بقدمه، فسمى باسم آلته، أو سابقة سعادة ومنزلة رفيعة، أو موته صلى الله عليه وسلم كما ورد:
"أنا فرطكم على الحوض" أو الشفاعة، فيجوز أن تكون التسمية بالقدم لقدومهم على ذلك بالموت، وأن تكون الإضافة أو الصدق لتحقق ذلك لهم، أو لمجرد المدح.
{ عِندَ ربِّهم } ناهيك بما هو عند الله محفوظاً { قالَ الكَافِرُونَ } وقال الطبرى جواب للما محذوفاً، أى لما أنذر وبشر قال الكافرون ا هـ، ويجوز أن يقدر: قال الكافرون عند إنذاره وتبشيره، قيل: وأن يكون تفسيرا لقوله: { أكان للناس عجباً } على معنى أنهم مالوا عن ذلك العجب، ويجوز أن يكون مستأنف كلام.
{ إنَّ هذا } أى القُرآن أو الوحى مطلقا { لسَحرٌ مُبينٌ } بين، قالوا ذلك لأنهم رأوا منه ما فرق كلمتهم، وحال بين القريب وقريبه، خوارق عادة تعجزهم عن المعارضة، فقولهم ذلك متضمن لاعترافهم بالعجز، أو لأنهم يرون نحو البعث مما يخبرهم مضمحلا لا يثبت كالسحر، وقرأ ابن كثير، والكوفيون، ومسروق، وابن جبير، وابن مسعود، ومجاهد وابن وثاب، وطلحة، والأعمش، وعيسى بن عمرو، وابن كثير: بخلاف عنهما، وابن محيصن: لساحر بالألف على أن الإشارة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما على القراءة الأولى فلا تصح الإِشارة إليه إلا على المبالغة، أو بالتأويل بالوصف، أو بتقدير مضاف، وعن الأعمش: ما هذا إلا ساحر مبين، وفى مصحف أبىّ: ما هذا إلا سحر مبين.