التفاسير

< >
عرض

وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُمْ مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ
٢٨
-يونس

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ ويَومَ } أى واذكر يوم { نحْشُرهم } أى يجمع الناس كلهم مؤمنهم وكافرهم من مواضعهم وقبورهم المتفرقة، وقرأت فرقة: يحشرهم بالمثناة التحتية، أى الله { جَمِيعاً } حال مؤكدة { ثم نقُولُ للذِينَ أشْركُوا } منهم، وإن أعدنا الهاء إلى الكفار فقط، فالذين موضوع موضع ضمير ليذكر شركهم لشركائهم، وما يناسب ذلك، ومفعول أشركوا محذوف، أى أشركوا بالله غيره، أو لا يقدر له مفعول، لأن المراد مجرد نسبة الإشراك إليهم.
{ مَكانَكُم } اسم فعل بمعنى الزموا بوصل الهمزة وفتح الزاى ففيه ضمير مستتر وهو فاعله، وقيل: هو ظرف مكان ناب مناب الزموا فاستتر فيه ضمير الزموا، أو الأصل الزموا مكانكم بنصبه على المفعولية، فلما حذف عامله ناب عنه واستتر فيه ضمير، ويجوز تقدير لازموا فى تلك الأوجه، ويجوز كونه اسم فعل بمعنى قفوا، أو ظرف نائب عن قفوا، وفيه ضمير مستتر، والفتح إعراب فى النيابة والظرفية، وبناء فى كونه اسم فعل.
{ أنتُم } تذكيد للضمير المستتر { وشُركاؤكم } عطف على المستتر للفصل بأنتم، وقرئ بالنصب على المعية، والشركاء الأوثان، وفى أمرهم بالوقوف تهديد لهم، كأنه قيل: مكانكم أنتم وشركاؤكم حتى تنظروا ما يفعل بكم، ويجوز أن يكون أنتم مبتدأ، والجزم محذوف، أى أنتم وشركاؤكم مهانون أو مسئولون، وقيل: الشركاء الجن المعبودون، والآدميون المعبودون كفرعون، فأنتم أيضا تأكيد أو مبتدأ محذوف الخبر، يقدر كما مر، أو يقدر موبخون أو معذبون، وقيل: هم الملائكة والمسيح ومريم وعزير ونحوهم، فعلى جعل أنتم مبتدأ يقدر الخبر مسئولون.
{ فزيَّلْنا بينَهم } فرقنا بينهم، وقطعنا الوصل التى كانت بينهم، وذلك على تناول الكفرة الاتصال بالأوثان ونحو الجن وفرعون، والاجتماع بهم فى الدنيا، أو تناولهم الاجتماع والاتصال المعنونيين بالملائكة وعيسى ونحوه، أزال الله ذلك بإظهار الحق فى الآخرة، فكانوا لا يتناولون ذلك فيها، فذلك هو التزييل للاتصال الذى ادعوه بدون أن ترضى به الملائكة ونحو عيسى، وبدون أن يتناولوا الاتصال بهؤلاء الكفرة، وربما لم يعلموا بعبادتهم، ويجوز أن يراد بالتزييل التفريق بعد الجمع فى المحشر، أو تبرؤ المعبودين من العابدين وعبادتهم والتشديد للمبالغة من زال ظانه من معزة يزيله بفتح الياء الأولى وكسر الزاى، أى أزاله منه، وفرق بينهما، وقرأت فرقة فزايلنا بينهم، والماضى مستعمل فى معنى المضارع، أو صور يوم القيامة، كأنه قد وقع التزييل لتحقق وقوعه بعد لا محالة.
{ وقالَ شُرَكاؤهُم } إضافة الشركاء فى الموضعين، إنما هى على زعمهم الفاسد، كأنه قيل: الذين هم شركاء الله فى زعمهم { ما كُنْتُم إيَّانا } مفعول قدم للفاصلة { تعْبدُونَ } شبه حال الشركاء بالنطق، فأسند إليها القول، كما تقول: نطقت الحال بكذا، وذلك فى الأوثان، وقيل: ينطقها الله لهم بذلك ليشتد خزيهم، لأنهم يرجون شفاعتها، واما إن كان الشركاء عقلاء فالقول حقيقة، أما الجن وفرعون ونحوهم فينفون العبادة كذباً، وأما الملائكة ونحو عيسى فينفونها، لأنهم لم يدروا بها، وإن دروا بها فمعنى نفيها إنما فعلتم من العبادة ليس عبادة لنا، لأنا لم نأمركم به، وإنما هو عبادة وطاعة للشياطين الذين أمروكم به وأهواءكم، وأما نفى الأوثان إياها فلعدم علمها، ولأنها لم تأمرهم فيكون ذلك طاعة لأمرها، وذلك أن العبادة طاعة، ويلقيهم الله مع الأوثان فى النار يعذبون بها أبدا، ولا تتألم الأوثان.