التفاسير

< >
عرض

إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ بِٱلْقِسْطِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ
٤
-يونس

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ إليْهِ } لا إلى غيره { مَرجِعُكم } أى رجوعكم بالبعث بعد الموت، فاستعدوا له { جَميعاً } حال من المضاف إليه، لأن المضاف صالح للعمل، وهو مرجع لأنه مصدر، ولو كان لا ينصب المفعول به لأنه ميمى.
{ وَعْدَ الله } مفعول مطلق لفعله المحذوف وجوبا، مؤكدا للوعد الذى أفادته الجملة قبله، نحو: له على ألف اعترافاً { حَقاً } مفعول مطلق لفعله المحذوف، مؤكد لما دل عليه وعد الله من الحقيقة، ويقال الأول إنه مؤكد لنفسه، لأن قوله: { إليه مرجعكم } فهو نفس الوعد، والثانى مؤكد لغيره، فإن قوله: { وعد الله } ليس نفس قوله: { حقا } بل مستلزم له، أو حقا حال من وعد الله، وقال أبو الفتح: نعت، ووجهه عندى أن المنعوت ولو كان معرفة لفظا لكنه فى الحقيقة نكرة، لأن الأصل وعد الله ذلك وعداً، ولما حذف العامل أضيف المصدر إلى ما هو فاعله.
{ إنَّهُ } كالتعليل الجملى لقوله: { إليه مرجعكم } فإنه إنما كان مرجع الجميع إليه، لأنه المقصود من البدء، والإعادة الجزاء، أو ذلك قطع واستئناف، ويدل للتعليل قراءة أبى جعفر، والأعمش، وابن مسعود: بفتح الهمزة على التعليل اللفظى، إلا من أدى، أى لأنه يجوز أن يكون الفتح على أن المصدر من خبر إن مفعول لعاقل، وعد الله المحذوف، أى وعد الله وعد البدء، والعامل حقا، أى حق الله حقا البدء من حق المتعدى، أو أحق الله بتعديته بالهمزة، أو عن البدلية من وعد الله، أو الفاعلية لناصب حقا، أى حق حقا البدء من حق اللازم، قيل: أو الخبرية لمبتدأ ناصب لوعد الله، أى وعد الله وعداً بإسكان العين البدء، ويجوز نصبه بوعد الله إذا لم يوصف بحقا.
وقرىء: وعد الله بالفعل والفاعل، فحقاً مفعول وعد، والمصدر من خبر إن مفعول، وقرأ ابن أبى عبلة برفع حق على الابتداء، وفتح همزة إن عن الإخبار، وكذا قيل، والحق عندى العكس.
{ يَبْدأ } من البداءة، وقرأ طلحة يُبدى بضم الباء وكسر الدال، من أبدأ بهمزة أولا وآخراً { الخَلْق ثم يُعيدُه } أى يبعثه بعد بلاء { ليجْزىَ الَّذين آمنُوُا وعَملُوا الصَّالحات بالقِسْطِ } أى بعدله لا ينقص من أجورهم شيئاً، أو بعدلهم فى أمورهم أو بإيمانهم، فإنه العدل القويم، كما أن الشرك ظلمٌ عظيم، هو الأنسب لذكر الجزاء بالكفر فى قوله:
{ والذين كَفرُوا } أى أشركوا { لَهم شَرابٌ } عظيم فى الشدة كما يدل عليه التنكير { مِنْ حَميمٍ } أى من ماء بلغ النهاية فى الحرارة، إذ أدناه الكافرين من فيه سقطت فروة رأسه، فعيل بمعنى فاعل، وقيل: بمعنى مفعول، وأنه يقال: حمه يحمه بمعنى سخنه.
{ وعَذابٌ أليمٌ بما كانُوا } أى بكونهم { يكْفرُونَ } أو بكفرهم الذى كانوا يكفرونه، فإن المراد جزاؤهم بشركهم، والأصل بما كانوا يظلمون، وهو لظم الشرك، ولكن عبر بيكفرون، لأن الكلام قبل ذلك وبعده فى الاستدلال على التوحيد، وإنكار الشرك، بل الأصل أيضا ليجزى الذين كفروا بشراب من حميم، وعذاب أليم، بسبب كفرهم، ليناسب قوله: { ليجزى الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط } ولكن عدل عن ذلك مبالغة فى استحقاق العقاب، وتنبيها على أن المقصود بالذات من البدء والإعادة هو الإثابة، وأما العقاب فعارض عن عدم الاتئمار والانتهاء، وأنه يتولى إثابة المؤمنين بما يليق بلفظه وكرمه، ولذا لم يعينه، وأما عقاب الكفرة فكأنه داء ساقوه بكفرهم إلى أنفسهم فعينه.