التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي ٱلأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
٥٤
-يونس

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ ولَوْ أنَّ لِكلِّ نَفْسٍ } أى ولو ثبت أن لكل نفس، وفيه أوجه ذكرتها فى غير هذه الآية، والأصح عندى هذا { ظَلَمتْ } نعت نفس، بشرك أو نفاق، أو تعد على الغير { ما فى الأرْضِ } من الأموال والمنافع المتملكة وغير المتملكة، كالمعادن والكنوز الخفية، أو فيها كله من مال وحجر، وشجر ومدر وتراب، وغير ذلك، بأن يجعل ذلك كله مالا.
{ لافْتَدتْ بهِ } لسمحت به ولم تبخل، وجعلته فدية من جزاء لظلمها، ولا يقبل عنها، يقال: افتدأ من كذا أى تخلص عنه بشئ، وهذا هو المراد فى الآية، والله أعلم على ما ظهر لى، وليس كما قيل: إنه من افتدأ بمعنى فداه، لأن هذه المادة ليس مما يعمل فى ضميرين متصلين لمسمى واحد.
{ وأسرُّوا } أى هؤلاء المعبر عنه بكل نفس أى أخفوا { النَّدامة } رؤساؤهم وأتباعهم { لمَّا رَأوا العَذابَ } الشديد الذى لم يخطر ببالهم السالب لقواهم، الباهر لهم، حتى أنهم لا يطيقون عند رؤيته بكاء ولا صراخا ولا نطقا، كما ترى المقدم للقتل جامدا مبهوتا.
يقال: إذا تناهى الغم انقطع الدمع، وقيل: أسر الرؤساء الندامة عن الأتباع خوفا من تعبيرهم وتوبيخهم، وهو ضعيف، إذ ليس ذلك اليوم يوم تصبر وتصنع، وليس بباق فيه ما يراعون به تعبير هؤلاء وتوبيخهم، ولذلك قال بعضهم: أسروا بمعنى أظهروا، وهذا إن كان لغة مسموعة فذاك، وإلا فتوجيهه أن أفعل يكون للسلب، كأقرد بمعنى أزال القراد، وأعتب بمعنى أزال العتب على ما بسطته فى التصريف، فكأنه قيل: أزالوا السر أى أظهروه، وقيل أسروا الندامة بمعنى أخلصوها، أى توبتهم خالصة، وذلك أن إخفاء العمل الصالح فى الجملة من إخلاصه، أو أن العرب يعبرون عن الخالص بالسر، من حيث إنه يخفى ويبخل به، يقال سر الشئ كذا أى خالصه، والكلام على هذا القول بوجهيه تهكم بهم وبأخطائهم فى إخلاص الندامة فى غير وقتها.
{ وقُضِى بيْنَهم } بين هؤلاء الظلمة، إذ من جملة ظلمهم تعدى بعض على بعض، فيؤخذ من الظالم للمظلوم، أو القضاء بينهم هو الجعل كل فى دركته التى استوجبها عمله اعتقاده، هذا ما ظهر لى، وقيل: بين الظالمين والمظلومين، ويدل له قوله: { وهم لا يظلمون } فيما قال القاضى، ووجه الدلالة عندى أن فيه تعريضا بأن لا نظلمكم، كما كان بعضكم يظلم بعضا، والله أعلم.
وقيل: بين المؤمنين والكافرين، وقيل: بين الرؤساء والأتباع، وقيل: بين الخلق، ومن فسر هذه بالقضاء بين المؤمنين والكافرين لم يفسر تلك بها لئلا يلزم التكرار، والتعبر بالماضى هنا، وفى أسروا وبلوا التى هى حرف شرط فى مضى لوجوب الوقوع.
{ بالقِسْطِ } العدل { وهُم لا يُظْلمونَ } فى القضاء.