التفاسير

< >
عرض

إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ
٣
-العصر

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } فإنهم اشتروا الآخرة بالدنيا ففازوا *{ وَتَوَاصَوْا } أوصى بعضهم بعضا *{ بِالحَقِّ } وهو الإيمان وما يتفرع عليه والحق ما ثبت ولم يصح إنكاره من اعتقاد أو عمل وقيل الحق لله وقيل القرآن.
*{ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } على الطاعة والمصائب وعن المعاصي عطف خاص لشرفه على عام وقيل المراد بالخسران الهرم وانقطاع الثواب إلا هؤلاء المستثنين فلا ينقطع ثوابهم ولو تركوا عمل الشباب والمشهور ما مر غير هذا ومما ورد في صفة التواصي أن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذل التقيا وأرادا التفرق أخذ كل بيد صاحبه ثم قرأ كل منهما والعصر إلى آخره وليس ذلك عطف خاص على عام إذا أريد بالعمل العمل الكامل كذا قيل والظاهر أن العطف في هذا الوجه عطف خاص أيضا فإن الصبر من الأعمال الكاملة وكذا التواصي وذكر سبب الربح وهو الإيمان وإصلاح العمل والتواصي دون سبب الخسر اكتفاءا ببيان المكصود وإيذانا بأن ما عدا سبب الربح يؤدي الى الخسران قيل أو نقص حظا وتكرما فإن الإبهام في جانب الخسر كرم قيل وهل شيء أفضل من الصبر فقيل لا عمل أفضل منه ولا ثواب أكبر من ثوابه ولا زاد إلا التقوى إلا بالصبر ولا معين على الصبر إلا الله وهو من العمل بمنزلة الرأس من الجسد لا يصلح أحدهما إلا بصاحبه وأجله انتظار الفرج وأفضل الصبر مجاهدة النفس على الطاعة واجتناب المعاصي وهو إما صبر على الدنيا حتى ينال ما تشتهي النفس وهو مذموم وإما صبر على الآخرة وهو ممدوح وهذا إما صبر على الطاعة أو عن المعصية أو على المصائب أو على ما جرى منها على يد مخلوق وهذا فضيلة من حيث عدم المعاقبة، ولحق رجل بأويس رضي الله عنه فسمعه يقول اللّهم اني أعتذر إليك اليوم من كل كبد جائعة وبدل عار فإنه ليس في بيتي من الطعام إلا ما في بطني وليس لي من الدنيا إلا ما على ظهري وكانت عليه خرق وقال له رجل كيف أصبحت أو قال كيف أمسيت قال أصبحت أحمد الله وما تسأل عن حال رجل إذا أصبح ظن أنه لا يمسي وإذا أمسى ظن أنه لا يصبح ألا إن ذكر الموت لم يدع للمؤمن فرحا وحق الله ما في مال مسلم يدع له ذهبا ولا فضة وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يدع لمؤمن صديقا فوالله لأمرن بعرف وأنهي عن نكر ولو شتموا أعراضنا ووجدوا على ذلك أعوانا ولو قدفوني بالعظائم لا أدع أن أقوم لله فيهم واعلم أنك اليوم أحوج لآخر كلامه بكل احتياج من حيث أن الدين أشرف على الفوت وكان على رمق لكثرة المنافقين والنصارى ويتم ذلك بأول كلامنا وهو الصبر وقد ذكره أيضا في آخر كلامه وقد ذكره في كتابه في نيف وسبعين موضعا مثل
{ { واستعينوا بالصبر والصلاة } } { { يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر } } الخ { { ولنبلوكم بشيء } الخ { { والموفون بعهدهم } الخ { { والله يحب الصابرين } } { { وإن تصبروا وتتقوا } } { { يا أيها الذين آمنوا اصبروا } الخ { وإن تصبروا خير لكم } } الخ{ { { واصبروا إن الله مع الصابرين } } الخ { إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات } } { { وتمت كلمة ربك الحسنى على بني اسرائيل بما صبروا } } { { واصبر فإن الله لا يضيع } الخ { { والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم } } { { سلام عليكم بما صبرتم } } { { الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون } } { { ليجزي الذين آمنوا } } { { ثم إن ربك للذين هاجروا } } الخ { { وإن عاقبتم } الخ { { وبشر المخبتين } } الخ { { أولئك يجزون الغرفة بما صبروا } } { { أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا } } { { وجعلناهم أئمة يهدون } الخ { { إنما يوفى الصابرون } الخ { { ولمن صبر } الخ { { ليبلونكم } الخ { { وجزاهم بما صبروا } الخ وغير ذلك.
وتقدم فضل العبر وعن أبي عمرو بن العلاء هربنا من الحجاج فدخلنا البادية فأقمنا فيها مدة مديدة من حي إلى حي فبينما أنا خارج متوزع الخاطب مبهم القلب ضيق الصدر إذ سمعت شيخا من الأعراب مجتازا يقول:

صبر النفس ينجلي كل هم إن في الصبر حلية المحتال
ربما تكره النفوس من الأمر له فرجة كحل العقال
لا تضيقن بالأمور فقد تكشف غماءها بغير احتيال

ولم يستتم الشيخ انشاد الأبيات حتى رأينا فارسا من بعيد قد مات الحجاج فسألت الشيخ عن الفرجة فقال بضم الفاء في الحائط والعود ونحوهما وبفتحها في الأمر من الشدة والنوائب.
قال أبو عمرو فلم أدر بأيهما كنت أشد سرورا أبموت الحجاج أم بهذه الفائدة وكنت أشد بها فرحا من موته كذا وجد فلعل قوله وكنت بها الخ نقض لقوله لم أدر أو بيان له لأن مثل قوله فلم أدر الخ قد يستعمل في الجزم بتفضيل أحد الشقين ولعل الواقع كنت زشد اهتماما بمعرفة هذه المسألة من اهتمامي بخوف الحجاج وإثبات ياء ينجلى ضرورة أو للإستئناف أو لغة أو إشباع.
اللهم يا رب ببركة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وببركة السورة أخز النصارى وأهنهم واكسر شوكتهم وغلب المسلمين والموحدين عليهم صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.