التفاسير

< >
عرض

لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ
١
-قريش

هميان الزاد إلى دار المعاد

بسم الله الرحمن الرحيم
{ لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ } أي لتعودهم وموالفتهم متعلق بيعبدوا والفاء زائدة لا تمنع عمل ما بعدها فيما قبلها وإنما زيدت لما في المعنى من الشرط أي إن لم يعبده قريش لنعمه التي لا تحصى فاليعبدوه لنعمة الإيلاف أو الفاء في جواب أما محذوفة غير دالة على تفصيل أو دالة عليه فيقدر عديل.
واختار الدماميني تقدير أما وأورد على جعل الفاء زائدة مشعرة بشرط في المعنى تقديم ما بعد حرف الجزاء عليه أو معمول ما بعد فاء الجزاء عليها مع أن الشرط غير أما والمعمول غير اسم الشرط وأجيب بأن ذلك لا يلزم لأنا إنما قدرنا معنى الشرط بدلالة الفاء وليس المراد أن لفظ الشرط مقدر وممن علق اللام بيعبدوا ابن هشام وذكر أن بعضا جعل اللام واجبة لإختلاف زمان الإيلاف وزمان العبادة فإن زمان الإيلاف سابق على زمانها وزمانه حاضر وزمانها مستقبل وهذا الإشتراط اتحاد الزمان لنصب المفعول له وقيل متعلقة بمحذوف دل عليه فليعبدوا وقال الكسائي والأخفش متعلقة بأعجبوا مقدرا أي عجبوا بإيلافهم الرحلة ألفوها ولم يعبدوا من سخرها لهم.
وقال الزجاج متعلقة بجعلهم كعصف مأكول إما على منزلة التضمين في الشعر وهو أن يتعلق معنى البيت بالذي قبله وأقول مثل هذا في الشعر معيب وليست الآية من ذلك لصحة معنى ما مضى بدون أول هذه السورة، وإما على أنهما سورة واحدة كما كتبتا في مصحف أبي سورة واحدة بلا فصل بالبسملة او غيرها وكما روي ان عمر قرأ في الاولى من المغرب والتين وقرأ في الثانية ألم تر ولايلاف قريش بلا فصل اي اهلك الحبشة ودقهم ليثبوا على الرحلتين ولا يجتري عليهم احد فنزيدهم مهابة وكانوا محترمين فيها لانهم خدمة بيت الله بخلاف غيرهم فانهم يخاف عليهم من القطاع والمنتهيين.
والجمهور على ان لايلاف قريش سورة وحدها لاطباق الصحابة والتواتر على ذلك إلا رواية شاذة عنهم.
قال الشيخ خالد ويضعف التعليق بجعلهم ان جعلهم كعصف إنما كان لكفرهم وجرأتهم على البيت ويجاب بأن جزاء الكفر والجرأة هو يوم القيامة أو هذا الجزاء الواقع في الدنيا لأجلهما ولأجل لا يتلاف وذكر التعليل بالايتلاف دون التعليل بهما لأنه لم يتعلق غرض بهما يعود إلى قريش بخلاف الإيتلاف فإنه منه عليهما أو الجعل لأجلهما لكن اللام للعاقبة لما هلكوا لكفرهم وجرئتهم صار هلاكهم صلاحا لقريش فكأنه وقع الإهلاك لصلاحهم ولا تشدد لام لإيلاف لأجل تنوين مأكول لأن البسملة فاصلة وهي آية لا بد من قراءتها وهكذا لا يؤثر آخر السورة فيما بعد البسملة لا نطقا ولا خطا هذا مذهبنا معشر الأباضية ومذهب من وافقنا وإيلاف مصدر ألف كأتى إيتاء بهمزة بعدها ألف في الفعل فالهمزة زائدة وهي همزة أفعل والألف بدل من همزة هي فاء الكلمة فوزن إيلاف إفعال أو مصدر ألف والهمزة فاء الكلمة والألف زائدة فالوزن فاعل بفتح العين ووزن المصدر فيعال بكسر الفاء كقاتل قتالا كذا قيل ويرده أن إثبات ياء فيعال وهي بدل ألف فاعل بفتح العين نادرا أو ضروري، وقرأ ابن عامر لالاف قريش بدون ياء مثل قاتل قتالا فالهمزة فاء الكلمة ألف إيلافا ومؤالفة كقاتل قتالا ومقاتل.
وقرأ أبو جعفر لألف قريش بإسكان اللام الثانية مصدر ألف الثلاثي أو اسم مصدر الرباعي وقرأ عكرمة ليألف قريش إلفهم رحلة الشتاء والصيف بجر الفهم بدلا من مصدر يألف وهي قراءة موافقة لقراءة من قرأ لإلف إذا جعلنا الإلف مصدرا للثلاثي أو بنصب الفهم على المفعولية المطلقة.
وقريش ولد النظر ابن كنانة سموا بتصغير القرش وهو دابة عظيمة في البحر تعبث بالسفن ولا تطاق إلا بالنار قال أبو ريحانه سأل معاوية ابن عباس لم سميت قريشا قال لدابة من أعظم دواب البحر يسمى القرش لا تمر بشيء إلا أكلته، تأكل ولا تؤكل وتعلو ولا تعلى قال وهل تقول العرب ذلك في أشعارها قال نعم وأنشد شعر الجمحي:

وقريش هي التي تسكن البحر بها سميت قريش قريشا
سلطت بالعلو في لجج البحر على سائر البحور جيوشا
تأكل الغث والسمين ولا تترك فيه الذي الجناحين ريشا
هكذا في الكتاب حي قريش يأكلون البلاد أكلا كشيشا
ولهم آخر الزمان نبي يكثر القتل فيهم والخموشا
يملأ الأرض خيله ورجاله يحشرون المطي حشرا كميشا

وهذا التصغير عند بعض للتعظيم وقيل من القرش وهو الكسب لأنهم كسابون ضرابون في التجارة لا زرع ولا ضرع تقرش لعياله كسب وقرش لهم فهو قارش وقريش تصغير قارش تصغير ترخيم وقيل من قرشت الشيء جمعته وتقرشوا تجمعوا وكانوا متفرقين في غير الحرم فجمعهم قصي في الحرم قال الشاعر:

أبوكم قصي كان يدعى مجمعا به جمع الله القبائل من فهر

وروي عنه صلى الله عليه وسلم "أن الله اصطفى كنانة من ولد اسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم، وإن الناس تبع لقريش في الخير والشر مسلمهم لمسلمهم وكافرهم لكافرهم وأن من أراد هوان قريش أهانه الله وإنه قال اللهم اذقت أول قريش نكالا أي عذابا فأذق آخرهم نوالا أي عطاء" .