التفاسير

< >
عرض

الۤر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ
١
-هود

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ الر } من كتبه إلى قوله: { وهو على كل شئ قدير } فى ورقة قلقاس أخضر، عند طلوع الفجر بمسك وماء ورد، ثم محاها بماء بئر تلك الساقية التى يسقى منها ذلك القلقاس وشربه، وفعل ذلك أربعة أيام غدوا وعشيا، انفتح قلبه، وتعلم القرآن العظيم، والعلم، وسهل له الحفظ وفهم الأشياء العويصة الحكم، أو البلاغة، قيل مبتدأ خبره { كِتابٌ } وقيل: كتاب خبر لمحذوف، أى هذا كتاب، أو مبتدأ نكر للتعظيم خبره الجملة بعده، وعلى غير هذا فالجملة خبر ثان أو نعت.
{ أحْكمتْ آياتُه } ركبت تركيبا لا خلل فيه لفظا ولا معنى، أو منعت من الفساد كقولك: أحكمت الدابة إذا وضعت عليها الحَكَمة بفتح الحاء والكاف، وهو ما يحيط بحنكيها من اللحام، لتمنعها من الجماح، أو أحكمت بالحجج والدلائل وقال الداودى، عن الحسن: بالأمر والنهى، وعنه بالثواب والعقاب، وعن قتادة: أحكمت من الباطل، وقيل: عن التناقض، وقيل: عن النسخ، فإنه ولو كان فيه منسوخ لكنه قليل.
وقال ابن عباس: عن أن ينسخه كتاب آخر، وقيل: إن آياته دلائل التوحيد والنبوة والبعث، ونحو ذلك مما لا ينسخ، وأن أحكامها أن لا تنسخ، أو آياته آيات هذه السورة منه، فإنها ليس فيها منسوخ، وزعم بعض أنه نسخ بآية السيف
{ { إنما أنت نذير } } { { والله على كل شئ وكيل } } { { وقل للذين لا يؤمنون اعملوا } الخ { { وانتظروا إنَّا منتظرون } وليس كذلك، إنما هى معان ثابتة بعد الأمر بالقتال وقبله.
وزعم أن قوله:
{ { من كان يريد الحيٰوة الدنيا } الخ منسوخة بقوله: { { من كان يريد العاجلة } الخ، وليس كذلك، بل مبين به، وهما إخبار، والإخبار لا يدخله النسخ، ويجوز أن يكون معنى أحكمت جعلت ذات حكم لاشتمالها على الحِكَم النظرية والعملية، سواء أريد آيات القرآن أو آياته، والتى فى هذه السورة عداه بالهمزة، من حكم بضم الكاف أى صار حكيما.
{ ثمَّ فصِّلَت } بالفوائد، من العقائد والأحكام، والمواعظ والأخبار، ويجعلها سورا، أو تنزيلها شيئا بعد شئ على النبى صلى الله عليه وسلم، والتفصيل جعل الشئ فصولا، أو فصل فيها ما يحتاج إليها العباد، أى بيِّن قاله مجاهد، وعن الحسن: فصلت بالثواب والعقاب، وعنه: بالأمر والنهى، وعنه: بالحدود والأحكام، وعن بعض: بالحلال والحرام، والطاعة والمعصية، وقرأ عكرمة، والضحاك: فصلت بالبناء للفاعل، أى فرقت بين الحق والباطل، وقرئ أحكمت آياته ثم فصلت بفتح الهمزة والكاف وإسكان الميم، وضم التاء، ونصب آيات بالكسرة وفتح الفاء والصاد، وإسكان اللام، وضم التاء، أى ثم فصلتها، وثم للترتيب والتراخى، بالنظر إلى التفاوت بين الأحكام والتفصيل لا بالنظر إلى وقوع الأحكام والتفصيل، إلا إن أريد أحكامها ضبطها وإتقانها قبل نزولها، وبتفصيلها تفصيلها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لمجرد الترتيب فى الأخبار أو هى بمعنى الواو.
{ مِنْ لَدُنْ } هو عند ناس أخر نعت آخر لكتاب، أو خبر آخر، أو متعلق بفصلت، أو أحكمت { حَكيمٍ } فى أموره على العموم، وهو الله سبحانه وتعالى { خَبيرٍ } بأحوال خلقه وما يصلحهم وأعمالهم، وفى قوله: { حكيم } مناسبة لقوله: { أحكمت } وفى قوله: { خبير } مناسبة لقوله: { فصلت } فما أبلغ كلاما أحكمه من هو حكيم، وفصله من هو خبير بكيفيات الأمور وسرها.