التفاسير

< >
عرض

أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ
٥
-هود

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ ألا إنَّهم يَثْنونَ صُدورَهُم } عن الحق، أى يحرفونها عنه، أو يطوونها على الكفر والعداوة، ويظهرون خلافهما، أو يثنون صدورهم برءوسهم، أى يطأطئون برءوسهم عليها إذا لقيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو حضروه لئلا يراهم، ويغطون أيضا وجوههم، ويولُّونه ظهورهم، يتواعدون على فعل ذلك، وعن قتادة: يحنون صدورهم لئلا يسمعوا كتاب الله وذكره، وقرئ تثنونى بمثناة فوقية مفتوحة وهى حرف المضارعة، فثاء مثلثة مسكنة، وهى فاء الكلمة، فنون مفتوحة وهى عينها، فواو ساكنة زائدة، فنون مكسورة تكرار لعين الكلمة، فياء مثناة تحتية هى لامها بوزن يفعوعل من معتل اللام، وذلك مثل يحلولى بكسر اللام الأخير، والماضى اثنونى بفتح النون بعدها ألف كاحلولى بفتح اللام بعدها ألف، وذلك مبالغة فى الثنى، كما بولغ فى الحلاوة بقولك يحلولى.
ونسب بعضهم هذه القراءة لابن عباس وجماعة، وقرئ: تثنونى بمثناة فوقية مضمومة وهى حرف المضارعة، فثاء مفتوحة مثلثة هى فاء الكلمة فواو ساكنة زائدة فنون مكسورة هى عينها، فياء مثناة تحتية هى لامها ككوثر بكوثر.
ونسبها بعضهم لابن عباس، وقرئ تثنوى بوزن ترعوى، وقرئ تثنون من الثن وهو ما ضعف وهش من الحشيش، يريد مطاوعة صدورهم للتحريف عن دين الله، أو أراد ضعف إيمانهم ومرض قلوبهم، وهو بتاء مثناة فوقية مفتوحة، فمثلثة هى لام الكلمة مسكنة، فنون مفتوحة هى عين الكلمة، فواو مكسورة زائدة، فنون مشددة يقع الإعراب فيها، والمدغمة زائدة تكرار لعين الكلمة والمدغم فيها لام الكلمة، ووزنه تفعوعل من المضاعف، وأصله تثنونن بإسكان الواو وكسر النون الأولى، نقل كسرها للواو فأدغمت، وبرئ تَثْنئن بمثناة مفتوحة، فمثلثة مسكنة هى الفاء، فنون مفتوحة هى العين، فهمزة مكسورة زائدة أصلها ألف، فنون مشددة المدغمة لام زائدة، والمدغم فيها لام أصل أو بالعكس مضارع اثنانَّ بكسر الهمزة، إذا ثبتت، وإسكان التاء وفتح النون والهمزة وتشديد النون كاحمار، والصدور على هذه القراءة مرفوع على الفاعلية.
{ ليَستْخفُوا } متعلق بمحذوف، أى يفعلون ذلك ليستخفوا، واللام صلة للتأكيد وما بعدها مفعول لمفعول، أى يريدون ليستخفوا أى يريدون أن يستخفوا { منه } أى من الله، فلا يطلع رسوله والمؤمنين على ما فعلوا، قاله مجاهد: وقيل: من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن عباس: نزل ذلك فى الأخنس بن شريق، كان رجلا حلو المنظر حلو الكلام، وكان يظهر لرسول الله صلى الله عليه وسلم المحبة، وكان يعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم مجالسته، وهو يضمر خلاف ما يظهر، وقيل: نزلت فى منافقين كانوا يستترون عن رسول الله كراهة رؤيته، ويرده أن الآية مكية، والنفاق حدث بالمدينة حفظها الله، ورد الله علهم بأنه لا يخفى عنه شئ، سواء أراد إخفاءه عنه أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم فيظهره له إذ قال:
{ ألاَ حِينَ } متعلق بيعلم بعده أو بمحذوف، أى يريدون الاستخفاء حين { يسْتَغْشُون ثِيابَهم } يجعلونها أغشية وأغطية، أى يغطون رءوسهم وأبدانهم بها للنوم مثلا، أو ليستتروا عنه أو رءوسهم لئلا يروه أو يسمعوا.
{ يعْلَم ما يسرُّونَ } ما يخفونه من كلام فى قلوبهم ومن أبدانهم وأشخاصهم { وما يعْلنُونَ } من كلام وبدن وشخص، لا يتفاوت الإسرار والإعلان فى علمه { إنَّه عَليمٌ بذَاتِ الصُّدورِ } أى بالكلمة صاحبة الصدور، ولم ينطق بها اللسان، أو بنفس الصدور، وحالها فكيف بما فيها، بل سواء عنده، وقيل ما يسرون من الكفر والحقد، وما يعلنون من الإيمان.
وقيل: كان الرجل من الكفار يدخل بيته ويرخى ستره، ويحنى ظهره، ويتغشى بثوبه، ويعتقد عداوة الرسول ويقول: هل يعلم الله ما فى قلبى، فنزل ذلك مخبرا لهم بأنه يعلم ما فى قلوبهم حينئذ، فكيف لا يعلم ما يثنون به صدورهم، وقد يظهرونه.
وحكى الطبرى، عن ابن عباس: أن ذلك نزل فى قوم مؤمنين لا يجامعون ولا يقضون حاجة الإنسان، حيث يعرون إلى السماء إلا إن استتروا بثيابهم، وكذا حكى البخارى، وعلى صحة ذلك كأنهم ظنوا أو تخيلوا أنهم حين الاستغشاء لا يراهم الله، فنزلت الآية بيانا لكونه لا يخفى عنه شئ لا إباحة للتعرى إلى السماء، ولكن ذلك بعيد عن المؤمنين إلا إن كانوا حديثى عهد بالإيمان فقلَّ فقههم، والذى عندى أن يكون الثنى والاستخفاء فى الكفار، ومجرد الاستغشاء عند الجماع، والقضاء لهؤلاء المؤمنين على صحة ذلك، رد بعلم ذلك منهم على هؤلاء الثانين المستخفين.